احتفالية مارس.. والتفكير خارج الصندوق

 

 

عبيدلي العبيدلي

في مَارِس من كلِّ عام، تحتفل مجموعة من الجمعيات السياسية: "المنبر التقدُّمي"، و"وعد" و"التجمع القومي"، بذكرى انتفاضة مارس 1965 الخالدة. وسنكتفي بتحديد الشهر، دون التقيد بتاريخ اليوم تحاشيا لخلاف أزلي قد يفقد الاحتفالية بعضا من بريقها، ويدخلها في دهاليز هي في غنى عنها.

جميل جدًّا أن نستعيد ذاكرتنا الوطنية، من خلال الاحتفال بمحطاتها المضيئة في سماء تاريخ الوطن المكتظ بغيومه الداكنة الألوان. لكن آن الأوان أن تأتي تلك الاحتفالات على نحو مبدع وخلاق يبعدها عن الرتابة التقليدية التي غالبا ما تصاحب فعالياتها. هذه المقاربة الجديدة المطلوبة هي التي بوسعها أن تخرج الفعالية، ومعها ذكرى مارس من سكون الاحتفالات التقليدية، وهو ما طغى على ليلة مارس في مقر جمعية "وعد"، التي اقتصرت على إلقاء الخطب والقصائد التي تسترجع أحداث انتفاضة مارس ووقائعها، مع فيلم وثائقي سردي على لسان مناضلين شاركوا فيها.

هذا الخروج على المألوف، بشكل مبدع خلاق، هو ما أصبح مُتعارفًا عليه بـ"التفكير خارج الصندوق"، وهو كما تجمع عليه أغلب المصادر الذي تدعو لاستخدامه "تفكير منطقي لكن بطريقة غير عادية وبعيدا عن النمطية والمألوف. أي أن نفكر بطريقة غير تقليدية وألا نحصر تفكيرنا ضمن حدود معينة سبق أن اعتدنا عليها، بل أن نحاول قلب الأمور والنظر إليها من زوايا غير عادية. فالتفكير خارج الصندوق هو تفكير غير مألوف لدى جل البشر ونتائجه بالرغم من كونها منطقية ومعقولة جدا، فإن كثيراً من الناس يرون طريقة الوصول إليها عجيبة رغم منطقيتها". لكن ينبغي الاعتراف والقبول بأنَّ "كل التحولات العظيمة في عالمنا بدأت بفكرة خارج الصندوق... فكرة غير مألوفة آمن بها أصحابها وعملوا من أجل تحقيقها".

ومن بين العلماء المشهود لهم بالتأصيل للتفكير خارج الصندوق العالم المهندس الروسي هنري التشلر، واضع نظرية ما تعرف اختصارا "TRIZ"، وهي الأحرف الأولى لعبارة روسية تعني بالعربية "نظرية الحل الابتكاري للمشكلات".

وكما تقول المصادر التي تتناول هذه النظرية الروسية الأصل، فقد "بدأ التشلر العمل في النظرية في العام 1946، ودخلت نظرية (تريز) إلى الولايات المتحدة الأمريكية في منتصف التسعينيات الميلادية، وذلك بعد تفكك الاتحاد السوفيتي (سابقاً)؛ حيث هاجر التشلر إلى أمريكا وبعد ذلك انتقلت إلى أوروبا، حيث عمر النظرية في أمريكا وأوروبا قصير"، مقارنة بتاريخها في روسيا.

ومن الأحجية والألغاز التي تتداول من أجل تكريس مفهوم التفكير خارج الصندوق حكاية العجوز القبيح الذي أقرض مزارعا في إحدى القرى مبلغا من المال، وعندما عجز المزارع عن سداده في الوقت المناسب طالبه العجوز بموافقته على الزواج من ابنته الجميلة، ثم قايضه بأن يضع حصاتين إحداهما سوداء والأخرى بيضاء في كيس تمد يدها الفتاة فيه، فإن أخرجت البيضاء سقط الدين وأفرج عنها، وإن كان نصيبها الحصاة السوداء يسقط الدين، لكن تتزوج الكهل القبيح.

لاحظت الفتاة، وهي الذكية، أن العجوز التقط حصاتين لونهما أسود، فما كان منها إلا أن أسقطت الحصاة الأولى من يدها عندما سحبتها من الكيس، وطالبت الحضور بأن يتأكدوا من لون الحصاة الأخرى التي ما زالت داخل الكيس. لم يستطع العجوز القبيح أن يعترف بفعلته، ونجت الفتاة وأنقذت والدها لأنها فكرت خارج الصندوق، فلم توافق على الزواج، كي تنقذ والدها، ولم تنتحر كي تتخلص من زوج عجوز قبيح.

نعود بعد ذلك لاحتفالية مارس، دون أن يغيب عن أذهاننا دعوة الجمعيات التي أقامت الاحتفالية بأن تفكر خارج الصندوق عند التحضير لها، كي تأتي مشوقة لمن يحضرها، ومحفزة لمن يشاركها فيها؛ سواء في برامجها أو من توكل له تخطيط تلك البرامج وتنفيذها.

أوَّل الملاحظات التي تثبت أن التفكير في الإعداد لهذه الاحتفالية كان من داخل الصندوق، فجاء تقليديا في كل جوانبه، هو غياب العنصر الشبابي منها، رغم أنَّ غالبية شهداء مارس 1965 كانوا من الشباب. خلت القاعة باستثناء حفنة قليلة تعد على أصابع اليد الواحدة، وكان بينهم عريف الحفل من العنصر الشبابي.

ثاني تلك الملاحظات: كان غياب المرأة البحرينية، رغم مشاركتها في انتفاضة مارس من العنصر النسائي؛ فقد سيطرت الذكورية البشعة وألقت بظلالها على جميع المتحدثين، رغم أن هناك من عضوات في الجمعيات الثلاث من كان في وسعهن، ويملكن الكفاءة والمقدرة، أن يكن من بين المتحدثين.

ثالث تلك الملاحظات: غياب من يمثل الإسلام السياسي، رغم مشاركة العديد من رجال الدين في تلك الانتفاضة، التي كرست الوحدة الوطنية في أرقى أشكالها.

وفي سياق الحديث عن طرق باب الاحتفال بذكرى انتفاضة مارس المجيدة، يجدر التنويه إلى بعض الأنشطة التي يمكن أن تضفي على الاحتفالية حلة تخرجها من قفص التفكير داخل الصندوق التقليدي.. من بينها الإعلان عن:

1- جائزة مارس للعمل السياسي؛ سواء كان ذلك برنامجا سياسيا أو مشروعا سياسيا لمعالجة مشكلة سياسية معينة.

2.  جائزة مارس للإبداع؛ الذي ليس بالضرورة حصره في الإبداع الفني، بل ينبغي أن يتجاوزه كي يشمل الإبداع التقني، وسيجد من ينظم الاحتفالية العديد من الشباب البحريني المبدع الذي يستحق التكريم في مثل هذه المناسبات التاريخية، التي ينبغي أن تربط، بشكل مبدع أصيل، بين الأجيال، وتحول دون تقطيع اوصال تاريخنا البحريني المضيء.

3.  جائزة مارس للتفوق العلمي؛ وتعطى للشباب البحريني، ويمكن حصرها في سن معينة كي لا تتجاوز المرحلة الثانوية، ممن يحققون إنجازات ملموسة في تحصيلهم العلمي.

4.  جائزة مارس في العمل التطوعي المبدع؛ والذي يلج العالم التطوعي من مداخل غير تلك التي عهدناها فتحصر نفسها داخل الصندوق بدلا من أن تأتي من خارجه.

5.  جائزة الفتاة البحرينية في العمل النسائي؛ وليس المقصود هنا التمييز بين النوع الاجتماعي (الجندر)، بقدر ما هو تشجيع الفتاة البحرينية على الإبداع في مجال يمسها هي على نحو مباشر.

ليس المطلوب هنا أن تكون الجوائز مكلفة وباهظة الثمن، فالقيمة تكمن في التكريم، وربط الحاضر بالماضي، وليس أي شيء آخر.