النفاق الإداري

 

راشد البلوشي

 

كثرت المرادفات غير الحقيقية لبعض المصطلحات الإدارية التي تأخذ التيار العكسي للإصلاح الإداري، فدخلت في المجال الإداري في الآونة الأخير بطرق ملتوية لتحقيق الهدف الذي يسعى إليه بعض الموظفين لتحقيق مآربهم ومصالحهم، وذلك من خلال المصطلح الجديد والذي نطلق عليه النفاق الإداري.

ما يميز هذا المصطلح أنه يتستر تحت مظلة المصلحة أو المنفعة العامة للعمل، كما أنّه يتصف صاحب هذا الوصف بصفات تميزه عن الآخرين من زملائه الموظفين ممن هم أصحاب مبادئ وقيم وأمانة في العمل، معتقدين أنفسهم أنهم لن ينكشفوا أمام الآخرين بما يقومون به من زيف ونفاق في التعامل مع الآخرين، ظنا منهم بأنّه لم يغيّر مسار عملهم،  بينما يكيلون على من له مصلحة معهم بالمدح والشكر والثناء، وأنّهم يؤدون واجباتهم بأكمل وجه مصحوبة بنقل الوشايا وإثارة الفتن بين الموظفين، مادحًا نفسه أمام المسؤولين، يوهمهم بأنّه صاحب نجاح هذه الفكرة أو العمل، وبالتالي ينعكس هذا النجاح على نفسه دون الآخرين لماذا؟

لأنّه هو المصرح له بالدخول على المسؤول المباشر دون غيره وفي أي وقت يشاء حاملا إليه تلك الملفات التي تحمل في طيّاتها كل معاني النفاق الإداري، يتكلم باسمه بينما الآخرون هم من قام بذلك العمل. وعند خروجه من مكتب المسؤول يعطي التوجيهات مستندا إلى عبارة (هذه توجيهات ويجب العمل بها).

إنّ تفشي النفاق الإداري في المؤسسات الحكومية بدأ في الانتشار أكثر من سرعة النار في الهشيم، الامر الذي أفرز كثيرا من السلبيات؛ ومن بينها بطء الأداء الوظيفي والإنجاز، مما يترتب عليه أمور أخرى مثل التوسط مع المسؤول للحصول على مبتغاه، ويفتح الباب أمام الرشوة إذا لزم الأمر ذلك، وسيخلق نظامًا جديدا في العمل، وتكدسا في المعاملات التي لن تأخذ طريقها للإجراء ما لم يأتِ صاحبها ويقوم بمتابعتها بنفسه، ويتخذ الخطوات التي تجبره على السير بنفس المسار الذي خطط له، وبالتالي سنعاني من تراجع في أداء العمل الإداري.

نأسف على المؤسسات التي أصابها هذا الوباء الإداري؛ فطرف يطور وآخر يهدم، فكيف يتسنى لنا أن نصل إلى ما وصل إليه الآخرون؟

كثيرا ما نرى بأعيننا النفاق الإداري الزائف والمديح وعملا لا نعرف نهايته، وذلك للإرضاء أو إرضاء كبريائهم دون النظر إلى مصلحة العمل، ودون أن يجعلوا نصب أعينهم مصلحة المؤسسة التي ينتمون إليها أو إلى مصلحة الموظف نفسه الذي يكد ويتعب ويشقى قاطعا المسافات؛ تاركا أهله من أجل أن يقدم ما عنده من إبداع وأفكار تخدم مصلحة العمل، وعدم مراعاة الموظف الذي يقدم البحوث والدراسات من أجل النهوض بمستوى أداء العمل الإداري في تلك المؤسسة أو الإدارة أو الوحدة؛ فذلك الموظف خال من العيوب وفي صورة إنسان ملاك في نظر أولئك المسؤولين.

المصيبة الكبرى أنّهم يطالبون بالتطوير والتأهيل الإداري والمثابرة على تأدية العمل بكل كفاءة، ولكن العيب فيهم؛ يطرحون نظرية التطوير ولكن عند التقييم والتقدير يلبسون نظارات سوداء تحجب عنهم أخطاء أولئك المنافقين، ويرونهم من خلال تلك النظارة السوداء أصحاب مبادئ وقيم وذوي كفاءة عالية في العمل، ويبقى ذلك الموظف المنهك المثقل بأعباء الوظيفة ومهامها ومسؤولياتها تحت طائلة كشف الأخطاء والهفوات الصغيرة التي لا ترقى إلى حجم أعماله اليومية أو السنوية المنوطة إليه، وبالتالي يُقرّع أو تسلط عليه عصا عدم الاهتمام والمحافظة على الوظيفة.

أيّها السادة إلى متى سنبقى هكذا؟ دول صعدت إلى الفضاء وأخرى تقدمت بكوادرها الشابة وتفوقت في العمل الإداري والمجالات الأخرى، ونحن لا زلنا نبتكر أروع المصطلحات الإدارية، تعيدنا إلى الوراء ألف خطوة، ندس لبعضنا البعض كل المكايد والدسائس، إلى متى ننافق أنفسنا؟ وإلى متى نعطي من لا يستحق العطاء، وذلك الموظف المكافح يبقى يركض لينال السراب!!!!!

حفظ الله عمان وقائدها المفدى

 

Almeen2009@hotmail.com