حكاها الشيخ

 

عيسى الرواحي

 

لا يخفى على أحد الأهميّة الكبيرة للقصة وأهدافها التربوية والتعليمة وأثرها البالغ في النفوس خاصة عندما تصاغ بلغة واضحة بليغة، وأسلوب بديع محكم، وتصدر من الثقات الذين تطمئن إليهم النفوس فلا ريب أنّ أثرها سيكون أبلغ وأعظم، ومن هذه المنطلقات يأتي كتاب "حكاها الشيخ" للأستاذ الأديب عيسى بن محمد الرواحي الذي جمع فيه عددا من القصص التي سردها سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، أو تلك المواقف التي مرّ بها.

 

 

 

يصف صاحب الكتاب قيمة القصة وسردها بقوله: "إنَّ سرد القصص من الأمور المحببة إلى النفوس، فلا القلوب تمل، ولا العقول تكل، يهش لها الكبار قبل الصغار، وتطيب بها المجالس والأسفار، لا يترفع عنها ذو قلب، ولا يعرض عنها ذو لب، تخلب العقول والأسماع، وتعبر البحار والأصقاع، موجودة منذ القدم، ومحفوظة عند الأمم".

ولا ريب أن اختيار صاحب الكتاب لهذه الشخصية ليس عبثا، وليس بحاجة إلى بيان أسباب كذلك؛ فهي الشخصية الغنية عن التعريف التي يرى المؤلف أنّ سرد القصص عندما تكون على لسان سماحة الشيخ الخليلي فإنّها حلوة المذاق عظيمة الأثر فهو الفقيه الجليل، واللغوي الضليع، والحبيب إلى القلوب، والقريب من الجميع، وصاحب الأسلوب المتفرد واللغة الجزلة.

 

 

 

 اجتهد صاحب الكتاب كثيرًا في جمع هذه القصص والمواقف وإخراج هذا العمل بالصورة الرائعة في كتابه الجميل. والنقل كما نعلم يكاد يكون أصعب من التأليف، وكما يقول أبو الحسن الندوي "الاختيار مثل التأليف أو أصعب منه، فإنه يتجلى فيه ذوق المؤلف، ودقة نظره، ولطف حسه" ويقول ابن عبد ربه في كتابه العقد الفريد "اختيار الكلام أصعب من تأليفه..." وقد جمع المؤلف هذه القصص من مجموعة من كتب سماحة الشيخ الخليلي والمقاطع المرئية المبثوثة له عبر محاضراته ودروسه القيمة ولقاءاته المتلفزة، وبلغ عددها مائة وعشر قصص ومواقف، وقد قسمها حسب مراجعها إلى قسمين القسم الأول القصص والمواقف المطبوعة من كتب سماحة الشيخ ومجموعها أربع وستون قصة وموقفا، والقسم الثاني القصص والمواقف من المصادر المرئية ومجموعها ست وأربعون قصة وموقفا.

يوضح الأستاذ عيسى الرواحي في مقدمة كتابه للقارئ الكريم أمرا مهما في شأن سرد القصة عند سماحة الشيخ بين كتابتها وارتجالها بقوله "وقد يلاحظ القارئ فرقا يسيرا بين أسلوب الشيخ وهو يكتب القصة، وبين أسلوبه وهو يلقيها ارتجالا، أقول هذا اعتذارا للشيخ؛ لأن الأسلوب المرتجل لا يجد معه المرء فرصة يعالج بها الأسلوب، أو ينتقي خلالها ما شاء من الألفاظ والتراكيب، ومع ذلك كله لم يغب الأسلوب البليغ المحكم عن القصص الشفهية".

 

لا يربط تلك القصص والمواقف رابط في موضوعاتها، فسياقاتها مختلفة، وعنوانيها متباينة، ومناسباتها متعددة، وهي كما أشرت آنفا مبثوثة في مراجع سماحة الشيخ المختلفة المقروءة والمسموعة، وهي أشبه بالبستان الذي يحوي صنوفا شتى من الثمار اليانعة والأزاهير الفواحة والورود الجميلة، أمّا عناوين تلك القصص والمواقف فهي اجتهاد من صاحب الكتاب الذي سعى في جعل كل عنوان معبرًا عن مضمون القصة، وجاذبا للقارئ.

تم إخراج الكتاب بصورة جميلة رائعة، وهو من كتب الجيب التي يسهل للقارئ حملها، ويقع الكتاب في مائتين وعشرين صفحة، وقد وثق المؤلف كافة المصادر التي اعتمدها، والمراجع التي استعان بها.

 

وفي حقيقة الأمر فإنَّ هذا العمل الرائع الفريد للأستاذ الأديب عيسى الرواحي ليس الأول من نوعه، فقد كان أول إصدار له بعنوان "قال ولم يقل" فريدا من نوعه كذلك، حينما جمع فيه أكثر من مائة وخمسين لطيفة وفائدة من أسرار التعبير القرآني من أمهات كتب التفسير تبين الحكمة من قول الله تعالى اللفظ القرآني المحدد، ولم يعدل عنه إلى لفظ آخر يحمل المعنى نفسه. فيما كان إصداره الثاني انفرادا آخر لم يسبقه إليه أحد بتلك الطريقة الفريدة أيضا وهي دارسة النثر الفني لشاعر العلماء وعالم الشعراء أبي مسلم البهلاني الرواحي، وقد وصف هذه الدراسة الدكتور خالد بن سليمان الكندي أستاذ النحو بكلية الآداب بجامعة السلطان قابوس بقوله "... مبادرة عيسى تبقى فريدة من نوعها؛ إذ جمعت شتات جهود أبي مسلم النثرية الفنية، وحللت نصوصها، ثم نظرت إليه نظرة كلية فاستخلصت خصائصها الموضوعية وسماتها الفنية..."

 

 لا يفوتني ختاما أن أزجي خالص الشكر والتقدير وبالغ الثناء والعرفان للأستاذ الأديب عيسى بن محمد الرواحي على هذا الكتاب الرائع "حكاها الشيخ"، وكل إصداراته القيمة التي تعدُ إثراًء للمكتبة العمانية، سائلا الله تعالى له مزيدا من التوفيق والسداد والرشاد، وأن ينفعنا بعلمه وجهوده الطيبة المباركة إنّه سميع مجيب.

 

issa808@moe.om