وللكتاب في عُمان مكانة (1-2)

سارة البريكيَّة

أوْلَت حُكومتنا الرشيدة منذ البدايات الأولى لعصر النهضة المباركة اهتماماً كبيراً بالإنسان العُماني؛ من حيث تعليمه وتثقيفه وإيصال المعلومة المفيدة له، عبر قنوات عدة، وكان جلالته -يحفظه الله ويرعاه- مُهتم في هذا الجانب ومتصدِّر لأولوياته ومشاغله؛ فكانت توجيهاته -رعاه الله وأمد في عمره- مُنصبَّة على الارتقاء بفكر الإنسان العُماني كمًّا وكيفًا، وأن يكون هذا لاعتناء بهذا الفكر العماني من خلال توجيهه الوجهة الصحيحة التي من الممكن أن تفيد، وتكون على الدوام مصدرا للفهم والمعرفة التي يُأمل أن تتجلى صورها في البناء والتطور؛ فكانت الخطوات الأولى هي بسط الطرق المثلى التي من الممكن أن يستقي منها المواطن العماني معلوماته وثقافته، وتمهيد المجالات التي تجعل العُماني موصولا بالقراءة وبالكتاب تحديدا، ذلك أنَّ القراءة من الكتاب كانت ولا تزال هي أفضل السبل والطرق لتلقي المعلومة، وهي طريقة قديمة قدم نشأة البشرية، تفوق في متعتها أي طريقة قراءة اخرى، لاسيما وأنه في القديم الغابر كان الكتاب هو الوسيلة الوحيدة التي يستطيع المرء من خلالها أن يحصل على المعلومات.

إنَّ التوجهات والإرادة السامية لمولانا -يحفظه الله ويرعاه- منذ البدايات الأولى هو جعل العُماني ذكرا كان أو أنثى، مُثقفا ومتعلما وموصولا بالكتاب، وهو إيمان من جلالته -أعزَّه الله- بأنَّ خير جليس في الزمان الكتاب، فهو لا ريب الصديق الذي يُؤنسك وتجد فيه الرفقة الحسنة وكل ما يثري وقتك بالمفيد، وهو الإداة التي تصقل شخصيتك وتطوِّر حياتك، وكانت رغبة جلالته في أنْ يغرس حب القراءة لدى النشء منذ نعومة أظفارهم؛ ليتسنى لهم في أن يكونوا أفراداً مُتسلحين بالعلم والثقافة والمعرفة، وعناصر فاعلة في مجتمعها ومحيطها، تعي ما حولها بفهم وتيقن ودراية، وتُسهم بأفكارها وعقولها المتطوِّرة في بناء ورقي بلدها؛ فالتعليم في الصغر كالنقش في الحجر.

ولما كانت السياسة التي تعنى بالاستنهاض بالفرد العُماني فكريًّا وثقافيًّا لم تألو جهدا في توفير المناخات الثقافية التي من شأنها تقديم المأمول منها لمختلف شرائح المجتمع؛ فإنها استحدثتْ منذ سنوات طويلة تجاوزت الـ20 عاما، تظاهرة ثقافية وأدبية متنوعة، وهي معرض مسقط الدولي للكتاب، وعلى مدار دوراته العشرين واثنين والتي تقام بمسقط، نجد أنَّ المعرض يستقطب كلَّ عام آلاف الزوار من داخل السلطنة وخارجها، وحظي باهتمام دولي واسع، وشهد مشاركة الكثير من دور النشر والعارضين، وتوافد بشري منقطع النظير.

إنَّ السلطنة وهي تقيم معرض مسقط الدولي للكتاب بشكل سنوي، تأمل في أن يُثري هذا المعرض ذائقة القارئ العماني والمقيم على حد سواء، وأن يجد فيه زواره ضالتهم؛ فالمعرض تتنوع فيه العناوين والإصدارات والجهات العارضة، ونحن نعلم حجم الأعداد البشرية التي تتهافت على المعرض لاقتناء الكتب ولحضور فعالياته المصاحبة، وهذا شيء جيد، إذ إنَّ البيت الذي تتوافر فيه الكتب، سيجعل أهله أمَّة قارئة، وناسه قومًا ينشأون مُحبِّين للكتاب والقراءة، خاصة الأطفال؛ فعندما يعيش هؤلاء البراعم في جو يسوده حب الكتاب والقراءة، حتما ستجدهم يكبرون على حب الكتاب وقراءته، وعلى حب العلم والتعلم، وسينهضون عمريًّا مُهتمين بالكتاب والقراءة منه أينما كانوا؛ فالقراءة غذاء الروح، خاصة إذا كانت من الكتاب، فإنه بالتاكيد لها أثر مختلف.

لقد حوى معرض مسقط الدولي لهذا العام إصدارات جديدة متنوعة من كتاب عمانيين تحديدا، وهذا جهد رائع يُشكرون عليه، ويوصف بأنه إنجاز وعطاء وحراك يرفد المكتبة العمانية عامة، ويعزز من مستوى التنمية الثقافية والعلمية بالسلطنة، ولقد رأينا على هامش المعرض، العديد من الكتاب وأصحاب الإصدارات الحديثة، قاموا بالتوقيع على إصداراتهم التي حملت في مضامينها ما هو جديد، وتفاوتت تلك الإصدارات والنتاجات في ذواتها ومسمياتها وأشكالها وأحجامها، ونأمل أن لا يكون القصد من إنتاج تلك الإصدارات المقروءة الشهرة والتباهي، أو الكسب المادي المحض الصرف، أو زيارة المعرض واقتناء الكتب من أجل التفاخر فقط، وعقب عمليات الشراء تُكدَّس تلك الكتب وتُعْرَض في مجالس البيوت للتباهي بها، وللدلالة على أنَّ أصحابها من القراء والمثقفين، دون أن تكون هناك حصيلة معرفية وثقافية اكتُسِبت وتجسَّدت واقعا في النمط الحياتي المعاش، وتخدم الصالح العام والخاص في كل ما من شأنه منفعة البلاد والعباد، وجلب الخير لهذا البلد الخيِّر وأهله الكرام.

[email protected]

تعليق عبر الفيس بوك