تساؤلات في مرحلة الاختيار

 

نادية المكتومية
عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "تخيّروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء"
أعزائي تحدثنا في مقالات سابقة أن الطرح الديني الأساسي الذي ننطلق منه في الاختيار هو "الدين" مصدقا لقول المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه "إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه" وكذلك في حديث آخر "فاظفر بذات الدين تربت يداك" وفي هذه النقطة يجب أن نعطي أبعاد الشخصية للطرف الآخر مساحة مع التأكيد على أن التدين أولوية، لأنّ التدين الحقيقي يصنع نفسا مطمئنة مؤهلة لإذابة التحديات المستقبلية والتحكم بمسار الحياة مستقبلا، ويفترض أن ينعكس التدين على أبعاد شخصية الفرد، فمثلا الزوج المتدين الخلوق إذا أحب زوجته أكرمها وإذا كرهها لم يظلمها وهكذا الشأن مع الزوجة ذات الدين والخلق، وهنا دعونا نوضح بأنّ التدين قد يكون تدينا معرفيا أو سلوكيا أو انفعاليا، وهنا سنوضح الفرق بين ثلاثة أنواع من التدين، وقد يستغرب البعض وهل للتدين أنواع؟ ما أقصده هنا أنواع التدين من البعد النفسي ومن وجهة القراءة النفسية للسلوك، وهذه الأنواع هي التدين المعرفي، والتدين الانفعالي، والتدين السلوكي    
ذكرنا بأنّ للتدين من وجهة نظر نفسية ثلاثة أصناف، التدين المعرفي والتدين الانفعالي والتدين السلوكي، والغرض من طرح هذه النقطة للمقبلين على الزواج هو تبصيرهم بهذه الأنواع لتوضيح معنى التدين الذي يختلف الناس في تفسيره فكل يفهم التدين حسب خبراته ومرجعيّاته المجتمعية، ومثلما ذكرنا نفرد هذه المساحة للحديث بتفاصيل كثيرة عن التدين نظرا لأنّ التدين الحقيقي يؤسس لزواج مستقر ومطمئن يذيب الكثير من التحديات الزواجية فهو نقطة الانطلاق في معايير الاختيار، ونبدأ بأول نوع وهو التدين المعرفي: ونقصد به أخذ الدين كفكر وقناعة وجوهر حقيقي للدين دون تشويه أو إفراط أو تفريط إنما الدين الوسطية مصدقا لقوله عزّ وجل (وكذلك جعلناكم أمة وسطا) وانعكاسه وفق هذه القناعة الحقيقية على سلوك الفرد وهذا هو التدين الذي نريد، وقد لخصه الحبيب المصطفى بقوله (الدين المعاملة) وأيضا (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، التدين المعرفي أعزائي هو الاعتقادات والمنطلقات الصحيحة كما أرادها المولى عز وجل ومن مبادئ الدين الإسلامي السمحة فيعكس الفرد هذه المبادئ في سلوكه وتعاملاته مع نفسه ومع الناس والمجتمع من حوله لتصبح تلك أخلاقه، فالزوجة المتدينة تدينا معرفيا نجدها تؤمن بالصدق وتعكس ذلك في سلوكها مع زوجه في أقوالها وأفعالها وتفي بالوعود وهذا يجعلها مؤهلة لتقوم بدورها كأم وزوجة وكذلك الزوج المتدين تدينا معرفيا حقيقيا نجده صاحب مبادئ إسلامية حقيقية فمثلا البعد عن الخيانة مبدأ لديه فينعكس ذلك على احترامه لرباط الزوجية مهما واجه من إغراءات من حوله ومهما واجه من تحديات مع زوجته، لذلك التدين المعرفي هو التدين الحقيقي الذي يؤسس لأسرة مستقرة قادرة على رأب أي صدع في المستقبل وقائمة على مبدأ "إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان".. النوع الثاني من أنواع التدين من وجهة نظر نفسية هو التدين السلوكي، ونقصد به أن الفرد يلتزم بمظاهر السلوك الإسلامي دون أن يعكس جوهر الدين الحقيقي في حياته، فيبالغ في إظهار السلوك الديني الظاهر في سلوكيات معينه مثل تطويل اللحية الملابس القصيرة يتشدد في صيام التطوع وغيرها من السلوكيات الظاهرية للتدين لكن فكرة التدين كمبدأ وكجوهر وكفكر حقيقي مغلوطة لديه، فنجده مثلا لا يطبق مبدأ الإحسان أو مبدأ الكرم فيغمط حق زوجته ويبخل عليها هذا كله بسبب التدين السلوكي الظاهري الذي ينقصه التدين الفكري الحقيقي لمعنى الإسلام وهنا أنبه بأننا لا نقصد أيها الفتية والفتيات بأن من يلتزم بالسلوكيات الظاهرية للتدين معناه بالضرورة تدينه تدينا سلوكيا فقط بل ما نبحث عنه فعلا هو سلوكيات وأخلاق إسلامية نابعة من وعي فكري حقيقي داخل الفرد فيكون السلوك انعكاسا لفكر ديني حقيقي وسطي.  
النوع الثالث من أنواع التدين - من وجهة نظر نفسية - هو التدين الانفعالي، بمعنى نجد الفرد عنده عواطف للدين ويحب الأخلاق والمبادئ الإسلامية لكن لا يعكسها في سلوكه وتعاملاته لأنّ فكرة الدين ليست ناضجة عند هذا الإنسان، وهنا ننبه أن ما نبحث عنه في التدين هو التدين الحقيقي المعرفي لأن التدين الحقيقي المعرفي متى ما وجد تبعته باقي ألوان التدين الأخرى مما يؤطر للسلوكيات والتعاملات الزوجية فتضبط الفتاة نفسها وكذلك الشاب يضبط نفسه فيكونان قويان على العوامل والتحديات الأخرى التي تظهر في الحياة الزوجية، لكنّ العوامل الأخرى في اختيار شريك الحياة لا تقدر على ضبط باقي العوامل فمثلا عامل الجمال أو المال لا يقدر على ضبط وإحضار عامل الدين في الحياة الزوجية بينما لو كان هناك عامل التدين والخلق في اختيار شريك الحياة فإنّ تدين الفرد يتحكم في المال عندما يزيد أو ينقص فلا يطغى الفرد عند زيادة ماله أو ينفقه بطرق غير مشروعة وكذلك العكس متى ما واجهت حياتهم أزمة وظروف مادية يصبروا ويتماسكوا ولا يجزعوا كل ذلك بسبب عامل التدين الحقيقي الذي يضبط ويسيطر على باقي العوامل لذلك عزيزي الشاب وعزيزتي الفتاة هنا أنبه بأنّ الأصل التدين المعرفي الحقيقي في الاختيار للطرف الآخر لكن قد أقبل بشاب متدين تدينا سلوكيا أو انفعاليا إذا وجدت في شخصيته صفات جوهرية جميلة جدا وقد أرفض شابا متدينا تدينا معرفيا إذا كان هذا الشاب يعاني من مشكلة نفسية كالنرجسية أو شخصيّته هستيرية لأنّ الخلل في الشخصية يكون أثره على الحياة الزوجية أكثر ضررًا من التدين السلوكي أو الانفعالي المتوشح بصفات جميلة والخالي من مشكلات نفسية في طبيعة شخصيته، والغرض من الطرح في هذه المقال هو أن ننبه في قضية الاختيار بأن لا نبحث عن التدين السطحي وأيضا لا نكتفي بالنظر إلى التدين فقط مهما كان نوع هذا التدين بل نعطي مساحة للنظر في السمات الشخصية لهذا الشخص المتدين فنزن الأمر بعقلانية ولا نغفل الأبعاد الشخصية النفسية للطرف الآخر لأنّ السمات الشخصية تؤثر تأثيرا جوهريا على طبيعة التفاعلات في الحياة الزوجية، وكلما اقترب الشخص في تدينه وأبعاد شخصيته من الكمال النبوي كلما ارتقى.. ولكم في رسوله الله أسوة حسنة.