ضريبة النجاح.. "رانييري" أنموذجا

 

حسين الغافري

 

(1)

غريبة هي كرة القدم بأحوالها وتقلباتها.. غريبة حقاً في كيّفية فهمها ومحاولة التكهن بجنونها.. فتارةً ترفع الإنجازات والفرح إلى ما فوق السحاب وتارةً تعيش المنجزات ذاتها في طيّ النسيان وتنقلب سحابة الفرح إلى غيمة بؤس تمّنع من خلالها الشمس في أن تشق الضوءّ. قال أحدهم: عندما درست حياة العُظماء من الرجال والنساء وجدت أنهم الأشخاص الذين حوّلوا ما بأيديهم بالوسائل التي يمتلكونها إلى الأشياء التي يريدونها. صحيح أن كُرة القدم ما هي إلا مجرد "لعّبة" تمارسها مجموعة "لاعبين"؛ إلا أن هذه "اللعبة" أبعد وأعمق من مفهوم كل الألعاب السائدة؛ لما أضّحت عليه اليوم من علم خصب يُدّرس ويتطور يوماً بعد يوم. هذا اللعبة لم تعد كما كانت عليه وفق الأفكار والرؤى التي تأسست عليه قبل قرنين من الزمن على الأقل، بل أصبحت سوق استثمار مالي حيوي وورقة اقتصادية فاعلة.

 

(2)

ما جعلني أُعرّج لهذه المُقدمة هو خبر إقالة الإيطالي رانييري من الدكة الفنية لنادي ليستر سيتي الإنجليزي بعد أن قدّم معهم فوق ما يمكن أن يكون "إنجاز" وأكبر من أن يكون "حلما". فمن كان ليحلم قبل العام الماضي أن يحقق ليستر بطولة الدوري الممتاز ولو كان أشد المتعصبين للستر؟!. استلم رانييري النادي وهو مُهدد بالهُبوط إلى مصاف الدرجة الأولى، وقاده بكل اقتدار ليتربّع على عرش الدوري الإنكليزي الممتاز ويكسب احترام الجميع. ولكنه أصطدم نهاية الأسبوع المنصرم بقرار الإقالة بعد أشهر قليلة فقط مما حققه. رانييري استحق نهاية أفضل، وطريقة خروج لائقة كالأبطال الفاتحين عكس ما حصل عندما تفاجأ الوسط الرياضي العالمي بإقالته!. وحقيقة الأمر، شريحة واسعة تعاطفت مع الخبر أولهم البرتغالي جوزيه مورينهو الذي شرب من نفس الكأس عندما كان مدربا لتشيلسي قبل عامين، وهو أمر من وجهة نظري يُظهر الجانب المظلم في عالم الرياضة ككل وليس كرة القدم فحسب عندما يتحمل فرد كان هو قائد النجاح إلى قائد لـ "تعطل" حركة تكاملية مُتصلة تبدأ من الإدارة وتنتهي بالجمهور!

 

(3)

البرتغالي مورينهو اختصر كل الحكاية عنما قال إنه في وقت من المُفّترض أن يُمجّد ما حققه رانييري فقد قوبل بقرار الإقالة، ولكن هي ضريبة النجاح وتحقيق إنجاز كبير ما كان ليتوقعه أحد بالإضافة لتضاعف وتغّيُر الأفكار عما كانت عليه سابقاً. عوضاً من أن يُنصّب له تمثال في مدينة ليستر أو يُسمى الملعب باسمه.. تمت التضحية به. ولو كان الموسم الماضي في الترتيب الثاني عشر وأنهى موسمه الحالي بذات المركز لبورِك ما قام به ولمُجّد ما حقق. وهو أمر فعلي لا خلاف عليه في أن سقف الطموحات تغيّرت وارتفعت مما أنّتج وبمُساهمة لعوامل كثيرة أخلّت بعمل المنظومة ذاتها التي صنعت الإنجاز كمُغادرة لاعبين مؤثرين تهافتت أندية القارة العجوز لاقتناصهم، بالإضافة إلى مُماطلة عدة لاعبين في رفع أجورهم. أيضاً لا يمكن تجاهل انخفاض رغبة الفوز عما كانت في الموسم السابق، وتكرار اللقب للعام الثاني توالياً، وإلا كيف نُفسّر إجادة ليستر على مستوى دوري أبطال أوروبا وهو يشارك لأول مرة في تاريخه، ويحقق نتائج ملفتة ويتأهل إلى الدور الثاني وحتى الآن في وضعية أفضل بمباراة الذهاب التي تفوق فيها على أشبيلية الإسباني بهدفين لهدف!.

 

(4)

ختاماً، تبقى كرة القدم ليست مُنصفة في كثيرٍ من الأحيان خصوصاً في عصر الاحتراف. فرانييري أنموذج في صناعة الإنجاز وتحقيقه للقب كبير فوق سقف التوقُعات ما كان يراه أشدهم تعصباً في الموسم السابق يتأهل لمركز في الدوري الأوروبي. وبعد ثمانية أشهر هو سبب الإخفاق!. ولكن بكُل اختصار هي ضريبة ما صنعه ورفعه لسقف الطموحات.. ويبقى المُدرب الحلقة الأضعف دائماً!. ومع ذلك يبقى رانييري نموذجا كبيرا نستلهم تجربته الفريدة مع ليستر وما صنعه وفي مُقدّمة القصص التي يجب أن تُسطّر بحروف ذهبية يتعلم من خلالها لاعبونا ومدربونا محلياً وعربياً أن الفوز والإنجاز ليس بالضرورة بحاجة إلى أسماء معينة أو أندية ذات أسماء مرتبطة بالألقاب، فمن الممكن أن تشق طريقك ودربك وفقاً للأدوات المُتاحة لديك.

 

------------------------------ ----------------

آخر الكلام يقول قائل: كلّ شيء تحب الحصول عليه يجب عليك أن تدفع ثمنه، والثمن دائماً هو العمل، الصبر، الحب، التضحية في سبيل تحقيقه.