تصبحون على فرش الورد

 

عائشة  البلوشية

بعُيون شبه مُغلقةٍ شردت أرنو إلى ذلك الأُفق الأزرق المتلألئ المُمتد إلى ما لا نهاية، وعلى شذى الكِيف (بكسر الكاف) المُنبعث من ضواحي النَّخيل بجميع مُحافظات سلطنة الخير، وعلى عطور "بل" النارنج واللومي المُنتشية فرحاً بقطر المطر - وهذه الخلطة العجيبة من الروائح، التي تذهب بتلابيب الروح ولا يَعرفها إلا من تمشى تحت ظلال النَّخيل وقت طلعها-، وعلى عبير الورد العُماني الزكي المُنبعث من مُدرجات الجبل الأخضر، وعلى صوت همبل البوش الآتي من عُمق صحراء الرُّبع الخالي، وعلى وقع "الربوبة" الآتية من هناك حيث راحة القلوب، ترافقها الـ"نانا" من الجنوب الأخضر، وعلى صوت الـ"سيرحي" والـ"صودري"، عبر تلغراف يسري في ملح البحار من جزيرة ربطت بين قارة آسيا وأوروبا منذ مئات السنين، هناك من حيث الشمال الحبيب مُسندم الشماء، وعلى حلقة "الليوا" وأنغامها المُميزة المُتحركة بتناسق حركي وتناغم روحي من الشرق، وعلى ترنيمة صادقة من مجموعة من الرجال اجتمعوا على شدو جميل يسقون حياض "البر" الآخذ في الإصفرار يوماً بعد يوم من مساحات واعدة بالرزق بإذن ربها، وعلى كلمات حُب نُسجت في قطعة فنية من صوف غزلتها يدٌ أبت أن تهدأ إلا بخُروج الأمانة إلى بارئها، تفيأت ظلال واحة "مقشن" الغناء، على تغريدات طيور "القطا"، وعلى وقع خطوات شعراء فن "الميدان" العُماني، وهم يحثون المسير نحو كورنيش "مطرح"، تُشاركهم النوارس البيضاء جمال الكلمات النابعة من القلوب، وعلى بياض كف لم يمده صاحبه إلا للسلام، وفي هذا النسيج المناخي والإنساني الاستثنائي، وهذه الحركة في الجسد العُماني التي لا تهدأ، حطَّت الطائرة تلو الأخرى تحمل أشقاء وإخوة وأصدقاء قاصدين مسقط العامرة، يسوقون شوقهم سوقاً ميممين الركب نحو حكيم الزمان، ليُصافحوا تلك الكف البيضاء، التي تربَّت على وجل النفوس بحكمة سديدة، وعلى قلق العقول بحنكة شديدة، لتنبري المواقع الإعلامية المحلية والإقليمية والعالمية تبث وتنشر وتأتي بالمُتحدثين والمُحللين السياسيين والاقتصاديين وغيرهم، لتحاول استقراء الأسباب التي دعت هذه الوفود رفيعة المستوى للتقاطر إلى أرض السلطنة، فتطرح التساؤلات وتعرض التخمينات، ورغم اطلاعي الذي لا بأس به على التَّقارير والتحليلات الشارحة والمُفندة لكل الزيارات والتَّحركات، إلا أنني لست بصدد استعراضها هنا، فجل ما يهمني هو هذا الجمال الذي أجده يُغلف الكون بشفافية أقرب إلى الخيال، وتلك الدعوات التي أسمع الخافق يتلوها أن تكلل هذه المساعي بالنجاح..

 

وعلى ذلك العبير وتلك الأشعار وهذيك الترنيمات، يتناهى إلى السمع وقع حوافر تأتي من عُمق الزمن، فإذا بها مجموعة من أصائل أفراس الفكر البيضاء الجليلة، ليلتفت العالم أجمع إلى هذه البُقعة الجغرافية من الكرة الأرضية، وجميعهم ينتظر ماذا وراء كل هذه السفائن الآخذة في الرسو تترا على شواطئ الحكمة القابوسية، وفي هذه اللحظة يتردد صدى صوت تكسر أمواج الفرقة والحيرة على جبال العزيمة والإرادة السلطانية القوية، وبكفوف السلام المُغلفة بخبرة السنين يمسح على قلوب الأشقاء والإخوة والأصدقاء، في محاولة نبيلة لرأب أي صدع، وﻹزالة أي صدأ، وبمنطق العقل والإيمان يحيي في القلوب تلك البذرة الطيبة الموجودة في كل قلب، ليُحرك النَّخوة العربية، فيختلط المزيج النوراني، وتهدأ النفوس وتركن إلى لحمة الجسد الواحد...

 

سلطنتي الحبيبة هي نعمةٌ عظيمةٌ مُتمثلة في شعب شارك مليكه حب السلام والعيش بهدوء، ومدَّ يد التَّسامح والتعايش لكل البشرية، وهو سلطان حكيم وأب رحيم ينأى بأبنائه، فيأخذ بأيديهم نحو العلم والتطوير وحب العمل والبناء، فيقرأون بحب من بين أسطر الحياة أمنيات مليكهم، وتحدوهم الرغبة الصادقة لرؤية الجميع دون استثناء يعيشون في يُسر ورخاء وأمان، وعندما يأتي المساء ويرخي الليل سدوله، تراهم يسرون في أذن الوجود بصدق: "تصبحون على فرش الورد"، وترد خوافقهم على هذه الأمنية الطيبة: "وأنتم من أهل النعيم والنعمة"، ليغمضوا أجفانهم بيقين واضحٍ بأنَّ الله هو القادر على كشف الغُمَّة، وأنّه تعالى أرحم بنا من أنفسنا...

 

فاللهم يا من بيده مقاليد الأمور كلها، أدم يا الله على بلادنا وجميع البلاد نعم الأمن والأمان والاستقرار، وأكرمنا بالرخاء المشمول برضاك عنَّا، واجعلنا جميعاً محامل للخير، مشاعل للعلم، ومنابر للعمل الصادق الدؤوب..

 

* *الكيف* : هو ذلك الغِطاء السميك المُغلف لنبات النخيل (حبوب اللقاح)، ذو لون بُني، يوضع في ماء الشرب قديمًا في الجحلة أو الخرس، ليكسبه رائحة زكية وطعمًا مميزًا، وهذا الوقت من العام هو موسم طلع النخيل.

 

___________________________________

التوقيع:

"‏قد تورق الأشجار بعد ذبولها..

‏و يخضرُّ ساقُ النبت وهو هشيمُ

وإذا ما أراد الله إتمام حاجة..

‏أتتك على سفرٍ وأنت مُقِيمُ"

‏محمود البارودي،،،