الإرهاب يتصاعد وبرامج مكافحته تعاني من عقم!

 

عبيدلي العبيدلي

نشرت وكالة أنباء رويترز تقريرا صادرا عن "لجنة تقصي حقائق منبثقة عن مجلس الشيوخ الفرنسي"، يعترف بأن "برنامج إخراج المتشددين من دائرة التطرف في فرنسا باء بالفشل، داعية السلطات إلى تغيير نهجها في التصدي لهذه المشكلة".

ووضعت اللجنة، التي كلفت جمع معلومات حول برنامج "إنهاء التطرف وإبطال التجنيد وإعادة دمج المسلحين في أوروبا"، كما تقول رويترز "تقريرا ينتقد سياسة مكافحة التطرف، بينما شهدت فرنسا سلسلة اعتداءات إرهابية غير مسبوقة في 2015 و2016، أسفرت عن سقوط 2388 قتيلا".

ويمضي تقرير رويترز مشيرا إلى ما "أكدته وزارة الداخلية الفرنسية، أن عملية إخراج المتشددين من دائرة التطرف ظاهرة حقيقية، إذ سمحت حتى نهاية أكتوبر عام 2016، بالإبلاغ عن 12 ألف حالة عبر رقم مجاني، وكذلك مباشرة عن طريق إخبار أجهزة الأمن. وتتابع الجمعية أكثر من 2200 شخص."

ليست التقرير الفرنسي الصادر في الأسبوع الرابع من فبراير 2017، هو الاعتراف الدولي الوحيد الذي يقر بفشل المجتمع الدولي في محاربة ما أصبح يعرف بظاهرة الإرهاب الدولي، فقد سبقه  إلى ذلك وثيقة رسمية أخرى صادرة عن المركز القومي لمكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة، كشفت عن تقديرات رسمية لتصاعد العمليات الإرهابية  "على مستوى العالم في عام 2007 إلي 3445 بزيادة تقدر بـ 352 هجوما عن سنة 2004 التي وصل فيها إلى 3192 هجوماً بزيادة خمسة أضعاف مقارنة بـ 650 هجوماً في عام 2003، وأظهرت بيانات تحليلية أن الهجمات الإرهابية خلفت 6060 قتيلاً، و16091 مصاباً إضافة إلى احتجاز 6282 رهينة في شتى أنحاء العالم، أي أن إجمالي الضحايا بلغ 28433 شخصاً كان نصيب الشرق الأوسط ومنطقة الخليج وخاصة في العراق واليمن 37% من إجمالي الهجمات مقابل 33% لمنطقة جنوب آسيا في حين وقع 27% من إجمالي الهجمات في العراق وحده بما يعادل 1066 هجوماً خلفت 3708 قتلى، و 9711 مصاباً، و 422 مخطوفاً، ووقعت خمس هجمات إرهابية فقط في الولايات المتحدة الأمريكية في سنة 2004، و3 عمليات في 2005، وعمليتان في 2006، أمّا في إفريقيا فمازالت الصومال وجنوب السودان الأشد عنفا في الهجوم، وتشهد بلدان المغرب العربي تناميا لهذه الظاهرة خاصة في الجزائر 8% والمغرب 5 % وموريتانيا 3".

تشارك هذه التقارير الرأي، مقالة نشرتها مجلة "الشئون الخارجية Foreign Affairs" في عددها عن شهري مارس/أبريل 2015، تشير فيها كاتبته أودري كورث كرونين والموسوم (داعش ليست منظمة إرهابية.. لماذا لن توقف مكافحة الإرهاب التهديد الجهادي الأخير؟)، إلى أن "الدولة الإسلامية، ليس تنظيما إرهابيا مثل تنظيم القاعدة، ولكنه أصبح شبة دولة يقودها جيش اعتيادي، يتألف من 30 ألف مقاتل، وتستولي على أراضٍ في العراق وسوريا، ولها قدرات عسكرية واسعة، وتسيطر على خطوط اتصال وبنية تحتية للقيادة، وتمول نفسها وتشتبك في عمليات عسكرية معقدة."

وتحمل المقالة، كما جاء في عرض الكاتب إبراهيم منشاوي من المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية، "تقييما لجهود التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية في القضاء على تنظيم "الدولة الإسلامية" لا سيما مع إخفاقه في وقف التنظيم عن التقدم وتنامي نفوذه في المنطقة؛ فلا يزال التنظيم يتمدد ويسيطر على كثير من الأراضي العربية؛ ما ألقى العديد من علامات الاستفهام حول جدوى التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية".

وبغض النظر عن تقويم الكاتبة لتنظيم " الدولة الإسلامية"، وتصنيفها له، وتمييزه عن تنظيم "القاعدة، تبقى الحقيقة قائمة بأن الجهود الدولية التي تقودها الولايات المتحدة لمكافحة ما تعتبره تلك الجهود "إرهابا"، تواجه تحديا صعبا، يكشف الكثير من نواقص برامجها، وينذر بفشلها.

تتنبأ بمثل هذا المصير الفاشل لتلك المكافحة في مرحلة مبكرة تعود إلى العام 2003، عندما كان العالم منشغلا بتحليل أسباب، ودوافع، ومن ثم طرق، مواجهة الهجوم على البرجين الأمريكيين في العام 2001، مجموعة من الدراسات والتقارير، ينقل مركز "دراسات"، (http://www.siironline.org/alabwab/derasat(01)/707.htm ) عرضا  لواحد منها، هو مقال ورد في  دورية" الشئون الخارجية" Foreign affairs في عدد شهري يناير/فبراير 2009، ويحمل عنوان "كيف يمكن احتواء التطرف الإسلامي "How to Deradicalize Islamist Extremists? ، للمحاضرة في القانون في كلية الحقوق بجامعة هارفارد جيسيكا سترين Jessica stren.. ، تشير فيه إلى أن مكافحة الإرهاب باتت مسألة أكثر تعقيدا مما تتوهمه دوائر مكافحته في الغرب وفي الولايات المتحدة تحديدا. 

وتعتبر سترين "إنّ مسالة مكافحة الإرهاب والتطرف تعد من أكثر الموضوعات تعقيدًا وصعوبة وذلك لعدة اعتبارات لعل أبرزها كما تقول نصا- ما يلي":

أولاً: إن مصطلح الإرهاب هو مصطلح غير محدد وغير واضح والدليل على ذلك تعذر التوصل لتعريف جامع مانع متفق عليه من قبل كافة المهتمين بدراسة الظاهرة التطرفية أو الإرهابية.

ثانياً: إن الخط الفاصل بين الإرهاب والتطرف من جانب وبين حق الدفاع الشرعي عن النفس من جانب آخر الذي أقرته كافة المواثيق والمعاهدات الدولية لا يزال غير واضح.

ثالثاً: إن كافة محاولات مكافحة الإرهاب لم تتطرق بالتحليل بصورة متعمقة لأسبابه الحقيقة المتمثلة في الاحتلال واغتصاب الحقوق والاستغلال.

رابعاً: أحد أبرز أسباب الفشل في إيجاد حل لها هو ربطها بالدين الإسلامي فقط على الرغم أن هذا الأمر بعيد كل البعد عن الصحة والدليل على ذلك أن الإسلام أول من تحدث عن مبدأ التسامح وقبول الآخر.

خامساً: الرؤية غير المتوازية والمعايير المزدوجة في النظر للإرهاب على أنه إرهاب جماعات وأفراد دون النظر إلى إرهاب الدولة والممارسات القمعية التي تقوم تجاه الشعوب العزل من الأسلحة.

وطالما استمر هذا الفهم الخاطئ لما أصبح يعرف باسم الإرهاب الدولي، وهذا المدخل الدولي الخاطئ أيضا لسبل مواجهته، فمن الطبيعي جدا أن تبوء برامج مكافحته بالفشل، بغض النظر عما تحققه بعض المواجهات من انتصارات جزئية محدودة في هذه المنطقة أو تلك، أو على هذا التنظيم أو ذاك.