حرب السوس تحت مطرقة التحكيم

عمرو محفوظ سعد

قبيل أيام اُقيم مهرجان الشارقة للمسرح الخليجي في دورته الثانية، وقد نعمنا بحسن الضيافة وحفاوة الاستقبال وعشنا في رحاب الشارقة أياما لن ولم تنسَ.. شكرا لكل من ساهم في نجاح هذا التجمع الخليجي الثقافي.

كان للسلطنة حضور مشرف وملفت للأنظار؛ حيث قامت فرقة السلطنة للثقافة والفن بقيادة المخضرم الدكتور مرشد راقي بتقديم عرض مسرحي متكامل جسدته نخبة من النجوم والممثلين العمانيين، واستطاعوا أن يعانقوا أحاسيس ووجدان الجمهور والحضور دون أن يحدث أي كلل أو ملل طوال فترة العرض، حيث كان الديكور مستوحى من التراث العماني الأصيل كسعف النخيل وجذورها وبيئة المزارع العمانية القديمة وافترش خشبة المسرح ما يقارب عشرين ممثلا في دقة متناهية كلٌ في حواره وموضعه من النص مما عكس جهود المخرج وسيطرته وخبرته الإخراجية.

وبعد كل هذا الجهد والإشادة الجماهيرية التي كادت تغطي سماء الشارقة آنذاك، جاءت قرارات لجنة التحكيم مغايرة تماما؛ وقد أصفها بالإجحاف وعدم الإنصاف تجاه العرض المسرحي "حرب السوس" الذي قدمته فرقة السلطنة للثقافة والفن، وقد قدمت لجنة التحكيم كلمة تبين فيها معايير التحكيم تلاها على مسامعنا أحد أعضاء اللجنة قبيل إعلان النتائج بدقائق وهي كالتالي: -

*المعيارالاول ذاتي: يترجم إعجاب أو عدم إعجاب كُل عضو من أعضاء اللجنة.

* المعيار الثاني فني مسرحي: يعتمد على مقومات بناء العرض المسرحي وفن الأصالة في التناول والمُعالجة الفنية وقرب العرض من روح العصر والمُنجز المسرحي المعاصر.

علما بأني وضعت مقالة عضو لجنة التحكيم نصا في هذين المعيارين أعلاه ومن خلالهما نشير إلى تناقض بيّنٍ في عناية المعيار الثاني بالأصالة في العروض وهي خليجية المنشأ وبين أعضاء لجنة التحكيم المعتمدين من بلدان غير خليجية لنقف بوضوح على الفجوة بين الأصالة المقدمة في تلك العروض وخلفيّات أعضاء لجنة التحكيم البعيدة كل البعد عن واقع تلك الأصالة.   

أيعقل بأنّ حرب السوس العرض الذي شغف نفوس كل حضور المهرجان لم يحظ بالمعيار الأول من معايير لجنة التحكيم!!!! كوكبة كبيرة من النجوم والممثلين لم ترتأي اللجنة في أحدهم لوناً فنياً يتناسب مع روح العصر والمنجز المسرحي المعاصر!!! سنوغرافيا جعلت من الجمهور صفاً واحدًا لا يتكلمون ولا يهمسون ما يقارب الساعة والربع وهنا أيضا لم تجد اللجنة بناء العرض المسرحي وفن الأصالة في التناول!!! عمل إخراجي احترافي وتوظيف أدوار النجوم باحترافيه وتناغم بين المخرج والمؤلف ومصمم الديكور عكس لنا كل ذلك التناغم قوة العرض وحركة الديكور مع الموسيقى وغيرها من الأمور الإخراجية الاحترافية التي وفق فيها المخرج في هذا العمل ولكن لم يحظ بإعجاب لجنة التحكيم!!! كل هذه الأسباب جعلتني أستل قلمي وأعبر عن أسفي بما أبدته لجنة التحكيم تجاه عرض مسرحية حرب السوس مما قد تؤثر هذه القرارات سلبا على مستوى بعض الممثلين وخاصة الذين كانوا واثقين من أنهم سيحققون ألقاباً وقد يصيبهم شيءٌ من خيبة الأمل، ومن السلبيات التي أراها أيضا هي إحدى توصيات لجنة التحكيم التي جاءت على لسان المتحدث باسم اللجنة أثناء تلاوة التوصيات على الحضور حيث قال: إعادة النظر في جائزة أفضل ممثل دور أول وأفضل ممثلة دور أول وإعادة النظر في أفضل ممثل دور ثانٍ وأفضل ممثلة دور ثانٍ بحجة أن المسرح المعاصر لا يعتمد على ذلك.

من خلال رؤيتي المتواضعة أرى أنّ هذه التوصية لم توفق لجنة التحكيم في اقتراحها لأن المبادرة الكريمة من صاحب السمو الشيخ/ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أطلق هذا المهرجان من أجل التنافس الشريف وإبراز الذات على خشبة المسرح فإنّ تم إعادة النظر في هذه الجوائز أو تم إلغاؤها كما أسلف المتحدث باسم اللجنة سوف تفتر همة الممثلين المتنافسين وإذا فقدت هذه الميزة من المهرجان فلا شك أنّ مستوى المهرجان سيضعف ولن يستطيع تحقيق أهدافه وأهمّها صناعة الخامات الجديدة التي تساعد على توصيل الرسالة من خلال المسرح، فدائما منصات التتويج هي ما تساعد على تذليل الصعاب وتحفيز المشاركين.

ارتأيت أن اللجنة المنتخبة من قبل دائرة الثقافة والإعلام بالشارقة قد تكون من طراز ثقيل على مثل هذه المهرجانات.  كيف؟؟؟ اللجنة المنتخبة ليست من دول الخليج عدا شخص واحد فقط ومن أهم التحديات التي قد تواجهها اللجنة هي اللهجة والنطق ومخارج الحروف فكيف لك أن تقيّمني وأنت لا تفهم كل ما أقوله؟؟ شاهدت العروض الستة كاملة وأغلب العروض إن لم تكن كلها اعتمدت أحيانا على المواويل والأناشيد الخليجيّة التي تعبر عن حزن تارة وفرح تارة أخرى ويبقى صداها في جوف المتلقي طيلة فترة العرض فإن لم تفهم اللجنة ماذا تعني هذه المواويل والأناشيد المستوحاه غالباً من التراث الشعبي للبلد المجسد للعرض فلا شك بأنّه سيضعف العرض في تقييم المتلقي غير الفاهم للمعنى، وإذا حلقنا تجاه الديكور والسنوغرافيا أيضا سنجد نفس المشكلة التي قد تؤثر على ذهن عضو اللجنة الذي لا يفقه ما يرى، بل يريد تطبيق المدارس المسرحية التي كانت تستخدم في الحرب العالمية الثانية وما شابهها من مدارس ومذاهب مسرحية أخرى  التي لا تريح ذهن المتلقي العادي وتشعره بالملل بل تخاطب ذوي التخصص فقط  وكأننا في مناقشة رسالة دكتوراه !!!

في ختام مقالي المتواضع أرى أن تشكل لجنة تحكيم خليجية بحتة في النسخ القادمة للمهرجان، وتوزع الشواغر بالتساوي على دول الخليج العربي الست، وأنا كلي أمل وثقة بأننا نمتلك أسماء وقامات في المجال المسرحي المعاصر والدرامي، فعلينا أن نسعى لاستغلال هذه الخبرات والاستفادة منهم في مثل هذه المحافل.

[email protected]

تعليق عبر الفيس بوك