د.سليمان المحذوري
استضافت طاولة مُنتدى الوصال يوم الأربعاء الماضي بتاريخ 15 فبراير ثلاثة من المواطنين تمّ تسريحهم مُؤخراً من إحدى مُؤسسات القطاع الخاص بالسلطنة. وخلال هذا اللقاء حاول المذيع المتألق موسى الفرعي تبيان حيثيات الموضوع، وتسليط الضوء على قضية وطنية باتت تُؤرق العاملين في هذا القطاع. ولا يخفى على الجميع أنّ مُستقبل العمالة الوطنية في القطاع الخاص دوماً على المحكّ؛ إذ إنّ هؤلاء العاملين في أيّ لحظة هم معرضون للفصل التعسفي دونما سبب واضح كما حصل مع هذه الفئة وعددهم تسعة أشخاص عندما تمّت إقالتهم من شركة نسيج عُمان ودون نقاش بدعوى تقليص النفقات؛ وبالتالي فإنّ العمالة العُمانية هي كبش الفداء لهكذا إجراءات.
ويبدو أنّ مسلسل فصل العُمانيين من مُؤسسات وشركات القطاع الخاص ما زال مستمراً. أذكر أنني في شهر أكتوبر الفائت كتبت مقالاً في هذه الجريدة بعنوان "تسريح العمالة الوطنية"، وكان المقال يدور حول قضية فصل 110 من الشباب العُمانيين العاملين في إحدى الشركات النفطية، وها هو السيناريو ذاته يتكرَّر إذ يبدو لنا أنّ هذه الشركات تعي القوانين جيداً، وبالتالي تتصرف بثقة كبيرة عندما ترغب في تسريح من تشاء وكيفما تشاء ووقتما تشاء غير آبهة بما ستؤول إليه الأمور بالنسبة للمتضررين فمصلحتها فوق كل اعتبار. وعودة إلى موضوع المقال يتضح جلياً من خلال النقاش مع ضيوف البرنامج الذين مثّلوا زملاءهم أنّهم أمضوا فترات طويلة في العمل بهذه الشركة تصل إلى عشرين عاماً، وبدون سابق إنذار وجّهت لهم رسائل من الموارد البشرية بالشركة متضمنة إقالتهم من الشركة خلال شهر، فهل هذه مكافأتهم بعد هذه المُدة الطويلة والتفاني في خدمة هذه المؤسسة؟ بل الأعجب أنّ رواتبهم لا تتجاوز 400 ريال شهرياً، ورغم ذلك هم يُعيلون أسرا كبيرة من هذه الرواتب البسيطة، ويوفون التزاماتهم الحياتية المُختلفة، وبين عشية وضحاها أصبحوا خارج الخدمة بقرار من إدارة الشركة. وبعد هذا القرار الجائر والتَّعسفي بدأوا يطرقون الأبواب علّهم يجدون من يُنصفهم كرئيس مجلس إدارة الشركة، ووزارة القوى العاملة، واتحاد عُمال السلطنة، ومجلس الشورى؛ إلا أنّهم وحتى وقت بث الحلقة لم يجدوا بصيص أمل. والحلّ في هكذا قضية هي المحاكم ولكم أن تتصوروا البهدلة والمصاريف التي سيتكبدونها في "المراكضة" خلف قضيتهم والتي لن يتم البتّ فيها في القريب العاجل بطبيعة الحال مما يزيدهم غماً بغم، ويصبح حالهم كما يقول المثل "كما عور يترجى الصبح" .
فمسألة الأمان الوظيفي في القطاع الخاص أصبحت شبه معدومة، وبالتالي فإنّ مثل هذه القضايا التي تطفو على السطح بين الفينة والأخرى تلقي بظلالها على موضوع العمل في القطاع الخاص برُمته. ونحن نتفهم تماماً أنّ القطاع الحكومي المتشبع أصلاً لا يستوعب مزيداً من الباحثين عن عمل، وأنّ سوق العمل يجب أن يحركه القطاع الخاص؛ بيد أنّ هذه الممارسات التعسفية لا تشجع بتاتاً على الالتحاق بالعمل بمؤسسات القطاع الخاص، والوضع غير مطمئن لمن هم على رأس العمل فالمثل العُماني يقول"إذا تحسّن جارك بلّ" .
خلاصة الأمر لا بد من وجود آلية فاعلة ضماناً لعدم تكرار هذه المسائل، وسنّ تشريع حكومي واضح للتَّعامل مع مثل هذه الحالات مع التأكيد على أهمية وجود جهة واحدة يُمكن من خلالها تقديم شكوى في حالة وقوع فصل تعسفي لأيّ موظف عُماني، وإيجاد الحلول السريعة والمُناسبة للفئة المُتضررة؛ وإلا فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة؛ من جهة أنّ الحكومة تشجع الشباب على الانخراط في القطاع الخاص وتُقدم التسهيلات اللازمة لنجاح هذه الرؤية، ومن جهة أخرى فإنّ ممارسات بعض شركات القطاع الخاص لا تتوافق مع هذا النهج وبالتالي ستظل العمالة الوافدة هي المُسيطرة على هذا القطاع دون مُنافس؛ فيما سترتفع معدلات الباحثين عن عمل من العُمانيين.
abualazher@gmail.com