حضور في حضرة الغياب

 

هلال بن سالم الزيدي

ما بين الحضور والغياب ثمة حروف ومنعطفات.. وما بين الحاجة والغاية ثمة فصول ومستلزمات ورغبات.. وما بين الواقع والخيال ثمة علامات ومؤشرات.. فالأهمية لها تسلسلاتها ودرجاتها.. فهناك الأهم فالمهم فالأقل أهمية.. فقبل الأهم والمهم والأقل أهمية يأتي "هو" لأنّه يعي كيف تصاغ الأهمية.. وهذا في عُرف العامة، لكن في عرف الخاصة هناك أهمية بُنيت على ضعف ورغبة اجتماعية ونشوء في عالم الجاه وأنا واسمي وما يسبقه.. لذلك فممارستها تكون أقرب من تراجيديا وكوميديا يتقنها صاحبها عندما يحين الدور..

إذن هي الأهمية التي عليها تتكئ الحاجات؛ أي: حاجات الكائنات المُحيطة بتلك الهالات الاجتماعية.. نعم هي حاجات بين طرفين: طرف كالسُلم يُصعد عليه أي: ممنهج لتحمل "الوطء" وهذا الطرف أشبه بالطفل عندما يبكي من كل شيء وفي المُقابل يسكته أي شيء، وطرف ثانٍ يُمنح الصلاحيات كافة حتى يستشعر وجوده عبر علوه واعتلائه على ذاك الطرف حيث تنقلب القاعدة فتصبح على نسق الهرم المقلوب فتكون الحاجة مُتدرجة: الأقل أهمية فالمهم فالأهم، فتكون المسألة الحسابية (84 - 39) والناتج يكفي لسد العجز أو لزيادة الهمز واللمز، ولعل الأرقام لا تحتاج هنا إلى تفسير لأنها تفسر نفسها من أجل الحرص على التشاور.

إذا ما تتبعنا السواعد البنّاءة فهي كثيرة.. فما بين البِناء لفظاً أو قولاً وبين البِناء فعلاً وواقعاً هوة نحتاج إلى تجسيرها وتفسيرها لنعرف طريقة الردم ونوعية المواد التي تسد تلك الهوة، مع ضرورة ابتعادنا عن "العنتريات" الإعلامية التي تؤدي إلى خلخلة الصف وإضعاف تلك السواعد وتقزيمها وربما تخوينها بمقياس الوطنية، لذلك تتوالى التفاسير وجُلها يصب في مصلحة الأقوى، والقوة هنا ربما تكون بدنية من حيث انتفاخ الكروش لبلوغ العروش، لكنها تكون تحت إطار المصلحة العامة من حيث الشكل ليس إلا.

ولو دققنا في الناتج من العملية الحسابية سالفة الذكر فإننا نجد الـ45 الباقية تريد أن تُحدث فارقاً في تغيير يُذكر، شريطة أن يصادف ذلك الرقم بيئة تؤمن بأهمية التغيير للحفاظ على تعهدها الذي قدمته عربون ولاء للفئة التي منحتها صوتها ذات يوم؛ ولكن لم يكن الموضوع في ذلك اليوم ذا أهمية وبالتالي غابت الـ39 وذابت بين مصالحها التي كانت الأكثر أهمية، وبالتالي يكون الـ45 أو الـ43 إذا ما استبعدنا الاثنين اللذين كانا يشربان القهوة أثناء التصويت على القرار- كونها الأهم في سلم أولوياتهما- يكون الـ43 ذوي قوة في تقديم رأي من مبدأ حفظ ماء الوجه وتحقيق شيء من واجب يُذكر.

ولو عدنا لمسألة إثبات الحضور عبر البصمة لوجدناها تتقاطر من الترهل في عبئها كونها شكّلت بؤرة الهوة؛ لذا كان الناتج ضعيفاً ومعدومًا، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على ضعف القاعدة التي تتكئ عليها مبادئ المواطنة في حق الوطن والمواطن؛ ليصبح الحضور كالغياب إن لم يكن الغياب لسبب وجيه ويكون عذرا حتى لا تختلط الأولويات.. فهنا نبحث لأخونا عذرًا حتى يعود، وحتى بعد العودة فكيف يكون، لكن لا بد أن يعود "هم قالوا ذلك" لا بد أن يعود لينفضّ سامر الاجتهاد ويكون المشهد جلياً.

ولو ركزنا بقوة الوطنية في سبب الغياب نجد أنّه قوي.. فبعد الإلحاح في السؤال "فحين لج في السؤال قالوا له غداً ستعود لا بد أن تعود" جاءت الإجابة بأن الأهم كان ميمماً شطر اللقاءات التي هي كالحلم تأتي في تجاوب الطرف الآخر الأكثر رقياً في تحديد الأولويات؛ لذلك كانوا هناك لصنع قرار ما لمصلحة مجتمع ما؛ وبالتالي لم يتمكن الـ39 من الحضور لاختلاف الأهمية، فكان اللقاء كالحلم من حيث وقوعه من عدمه؛ وعليه ظهر المطلب الذي سيحتاج إلى حلم آخر كي يتحقق؛ وصدق القصيبي حين قال: وكالحلم جئت.. وكالحلم غبت.. وأصبحت أنفض منك اليدا! فما كان أغربه.. ملتقى.. وما كان أقصره.. موعدا.


همسة ..

كالضوء مررت، كخفق العطر، كهزج أغانٍ شعبية.. ومضيت شراعاً يحملني كقصيدة شمس بحرية.. لوعودٍ راحت ترسمها أحلام فتاه شرقية .. عيناك ليالٍ صيفية ورؤىً وقصائد وردية.

 

 

 

abuzaidi2007@hotmail.com