البُعد الإنساني للقائد الإداري

 

علي المعشني

بدوي كان يعمل سائقا في شركة نفط بمنطقة فهود في ستينيات القرن المنصرم؛ وكان حول مخيم الشركة عدد من مساكن البدو والذين ينتفعون من الشركة في زاد ماء أو غذاء أو بقايا معدات تعينهم على شظف العيش، كما كانت تتباعد مساكن أخرى للبدو في تلك المنطقة بحسب توفر الماء والمرعى، وكان هذا السائق البدوي بنخوته يجود على من يصادفهم من البدو العابرين بنقلهم وأمتعتهم إلى محل سكناهم.

حتى بلغ الأمر لمدير الشركة الأجنبي فاستدعاه ليتأكد منه مما نسب إليه، وحين أقرّ السائق بذلك السلوك وبرره بالرحمة والعمل الإنساني، قال له المدير: أنت موظف والسيارة لأعمال الشركة فقط وما تفعله مخالف لقواعد العمل، فامتثل السائق لأوامر مديره حرصًا منه على لقمة عيشه في زمن كانت الوظيفة من الأحلام، ولكنه بقي في صراع بين نخوته وتعليمات مديره لفترة زمنية بسيطة عاد بعدها إلى ممارسة عمله في مساعدة الناس من الساكنين حول مخيم الشركة. استدعاه المدير ثانية ووبخه فقال له السائق: يستحيل عليّ أن أجد إنسانا في حاجة للمساعدة ويمكنني مساعدته وأتردد في ذلك، فقال له المدير: ولكنك موظف لدى الشركة ولابد لك أن تمتثل لقوانينها، لهذا عليك تسليم الشاحنة ومكلف بالعمل على صهريج نقل الماء منذ هذا اليوم.

حزن السائق البدوي على قرار مديره كون صهريج الماء لن يمكنه من حمل شخص أو متاع لمن يستنجد به ويطلب العون منه، ولكنه كتم مشاعره حفاظًا على رزقه ومصدر معيشته. وفي يوم من الأيام صادف امرأة بدوية تجر غنمة لها في في طريق وعر وفي صائفة ملتهبة، فأشفق عليها وقرر حملها إلى مكان سكنها ولكنهما احتارا في أمر الغنمة والتي أصرت المرأة على مرافقتها لها وعدم التخلي عنها خوفًا عليها من الضواري، وفي المقابل لم يجد السائق مكانا لها على صهريج الماء، فعرض على المرأة شراء الغنمة فوافقت، فأعطاها قيمتها ثمّ هبط وقام بذبحها وسلخها وعلقها فوق صهريج الماء ومضى في طريقه حيث أوصل المرأة إلى مقصدها. أنزل الذبيحة من فوق الصهريج حين وصل المخيم وطلب من زملائه إعداد وجبة تليق بهم بعد حرمان الصحراء وضيق ذات اليد، وحين رأى المدير تجمع العمّال ذهب ليتحرى الأمر فقيل له السائق فلان أتى بغنمة مذبوحة ويعدون الطعام لرغبته في دعوة جميع زملائه في العمل.

انصرف المدير واستدعى السائق وسأله عن المناسبة؟ فسرد له السائق قصته مع المرأة البدوية كاملة دون نقصان، فضحك المدير وقال له: أنت من المستحيل أن تردعك قوانين أو تعليمات عن فعل الخير للناس، لهذا قررت أن تعيد الصهريج وتعود لشاحنتك مجددًا، وساعد من تشاء دون إخلال منك بعمل الشركة وهذا استثناء منّي لك أنت فقط.

                ****

موظف يصاب بفشل كبدي تام، فيحضر تقريرا طبيا يثبت الفشل ويوصي بضرورة زرع كبد في أقرب أجل، ويقابل مسؤوله الأعلى ويخبره بحالته وقلة حيلته في تغطية تكاليف العلاج في الخارج وفي مصير أسرته من بعده، يطمئنه رئيسه ويهدي من روعه ويعده بالبحث عن مخرج لائق له ويطلب منه ترك ملفه الطبي لديه.. ينصرف الموظف من مكتب مسؤوله الأعلى مكسور الجسد والنفس، ويتفاجأ بصدور قرار في اليوم التالي بترقيته (6) درجات وظيفية دفعة واحدة، وبعد أسبوع يلتقي المسؤول بحاكم البلاد في لقاء عمل فيصطحب معه ملف الموظف ويخرج من مكتب الحاكم بأمر بعلاج الموظف وتحمل تكاليفه على نفقة الدولة.

                                     ****

لاحظ رئيس تنفيذي لإحدى الشركات طلب موظف لديه إجازة منتظمة مدتها (10) أيام كل ثلاثة أشهر، وبعد مضي مدة على هذا الحال، استدعى الموظف وسأله عن سر هذه الإجازة المنتظمة ما لم يكن هناك حرج!؟ فقال الموظف: ليس هناك حرج، فنحن عدد من الشباب من تخصص واحد ومن جميع أقطار الخليج اتفقنا على إنشاء جمعية أهلية لتخصصنا وأن نلتقي كل ثلاثة أشهر في بلد كل على نفقته الخاصة لتعزيز التواصل والترابط بيننا والوقوف على ظروف عملنا وجديده على الدوام. أعجب الرئيس التنفيذي بالفكرة وبحماس القائمين عليها وقال للموظف: كم أقدر لكم هذا الطموح وحب تطوير الذات لهذا ستكون سفراتك القادمة على حساب الشركة وليس من حسابك الخاص وسأعتبرها مهمة عمل وبالمدة المناسبة لك وستتحمل الشركة تذكرة السفر والإقامة وبدل مهمة يدفع لك يوميًا.

 قبل اللقاء: " لكل عظيم قلبان، قلب يتأمل وقلب يتألم" (جبران خليل جبران).

وبالشكر تدوم النعم..

Ali95312606@gmail.com