النقل العام والدراسات المحكَمة

 

سلطان السلامي

 

أظهرت صحيفة الأوبزيرفر صباح اليوم الأحد 12 فبراير 2017م ملخص نتائج الدراسة التي قامت بها جامعة صحار مشكورة لاستطلاع الرأي العام حول مدى تقبل المجتمع لاستخدام وسائل النقل العام في السلطنة بديلا عن المركبات الخاصة، ومثل هذه الدراسات والاستطلاعات نراها في غاية الأهمية نظرا لدورها في إعطاء الموشرات التي تساعد الجهات المعنية على اتخاذ القرارات المناسبة في أحد أهم مسارات وعوامل التنمية وهو النقل، والذي يترتب عليه بلا شك قدرة المخططين على الاستغلال الأمثل للموارد الطبيعية والبشرية وزيادة الإنتاج وانتقال السلع والقوى العاملة وكذلك فيما يتعلق بالتوزيع الملائم للمناطق الصناعية والتجارية وغيرها.

هذا فضلا عن التغيرات الاجتماعية التي ستطرأ على المجتمع نظرا لازدياد استخدام وسائل النقل العام، وسيشكل نقلة نوعية من الناحية الاجتماعية والأسرية، بما يتطلب معه الاستعداد اجتماعيا وتربويا على هذا الانتقال.

تثبت بعض الدراسات أن قطاع النقل يضيف ما نسبته 20 % على التكلفة النهائية للسلعة، وهو ما تقوم عليه اقتصاديات النقل حاليا للاستفادة المثلى من التقنيات لتخفيض تلك النسبة لأقل ما يمكن، بما يحافظ على معدلات التضخم الاقتصادي المقبول بشكل عام ويحافظ على القوة الشرائية العادلة.

بالعودة للاستبيان معرض الحديث، فقد شمل ذلك عدد 195 فردًا من العمانيين (فقط) من الجنسين ومن مختلف الأعمار، وجاءت النتائج كالتالي:

  1. (63%) من العينة ترى أن النقل العام لا يناسبهم.
  2. (63%) من العينة ترى بأنّهم لن يشجعوا أفراد عوائلهم من النساء على استخدام وسائل النقل العام.
  3. (52%) من العينة يرون بأنّهم لا يرغبون في مشاركة وسائل النقل العام مع جنس مختلف.

ويعزو الخبر هذه النتائج لعوامل اجتماعية ودينية ولأسباب مرتبطة بجودة الخدمة داخل وسيلة النقل كالنظافة وتوفر الانترنت المجاني وتكامل حركة حافلات النقل العام مع سيارات الأجرة وإيجاد عدد كاف من محطات النقل.

وهنا أود أن أشير إلى أنّ النتائج أعلاه قد لا تكون بالدقة الكافية رغم أهميتها، حيث الأهم أن يكون الاستبيان شاملا لشريحة أكبر من العدد المذكور أعلاه بكثير. فلا يمكن بكل حال من الأحوال الاعتماد على عينة بسيطة في إعطاء مؤشرات لقطاع بهذه الأهمية، فضلا على كون الخبر لم يحدد المنطقة الجغرافية التي شملها المسح. وهذا بحد ذاته عامل مهم لفهم طبيعة المجتمع الذي شملته الدراسة وما هي طبيعته الجغرافية وتركيبته السكانية وتوجهاته المهنية والوظيفية وتأهيله الدراسي.

أمّا حصر العينة على العمانيين فقط فهذا بحد ذاته يعتبر عامل ضعف في الاستبيان، لا سيما في بلد كالسلطنة تشكل القوى العاملة الوافدة منه 45% تقريبا، وهي الفئة التي يعتمد عليها القطاع الصناعي على سبيل المثال وقطاع المقاولات والإنشاءات (نسبة التعمين في القطاعين 35% و10% على التوالي).

وعليه فإنني أدعو القائمين على قطاع النقل في السلطنة القيام بدراسات محكمة تشمل مناطق جغرافية أوسع وفئات بشرية أكبر من المجتمع؛ بما يسمح بتقليل نسبة الخطأ في المؤشرات الناتجة، لاسيما أن كثيرا من المختصين يرون بأنه لا بديل إما عاجلا أو آجلا من تفعيل النقل العام بمختلف وسائله، نظرا لما تشهده البلاد من تسارع في النمو السكاني والعمراني وعدد المركبات المسجلة سنويا والنمو بدرجات متفاوتة في مختلف القطاعات الأخرى التجارية والصناعية والسياحية، وهو ما يتفق مع الروئ الحكومية والمؤشرات المبدئية لبرنامج التنويع الاقتصادي "تنفيذ".

كما أنّ النجاحات المتواصلة التي تعلنها شركة النقل الوطنية العمانية "مواصلات" تعطي مؤشرات تدعو للتفاؤل بأن النقل العام بالسلطنة خطوة جيدة وفي طريقها الصحيح كما هو مخطط له، ولا يزال يوجد لدينا الكثير من الإمكانيات لرفع طاقته الاستيعابية ومساهمته في النمو الاقتصادي بشكل عام وتخفيض الآثار المترتبة على تحديات النقل الحالية من ازدحام الشوارع وتلوث الهواء وكفاءة الطرق والحوادث المرورية وغيرها.

فمن بين الأرقام المبشرة وصول الرقم القياسي 3.7 مليون راكب لحافلات "مواصلات" في عام 2016م، بل وأنّ ما هو أكثر تفاؤلا أن ترتفع نسبة الركاب من العمانيين في خط "روي المعبيلة" 30% في الفترة من 1 ديسمبر 2016م وحتى 8 يناير 2017م عن مثيلتها في العام السابق. وهو ما يعطي دليلا على قابلية المجتمع العماني لهذا التحول الهام في ثقافته الحياتية.

بالمناسبة؛ تستضيف "مواصلات " من اليوم الأحد وحتى الخميس القادم ندوة عالمية لمناقشة تحديات تطوير قطاع النقل العام، تتضمن استعراض أفضل الممارسات العالمية في هذا الجانب، آملين الخروج بتوصيات تساعد المعنيين على تجاوز التحديات والعمل على تطوير القطاع بما يجعل السلطنة في خارطة الدول الفاعلة في هذا الجانب.

sultan@infinity.om

تعليق عبر الفيس بوك