برنامج لتفريغ المؤلفين العمانيين

 

 

زينب محمد الغريبية

 

 

ليس المؤلفون مثل الآخرين، فهم ليسوا مثل لاعبي كرة القدم وغيرهم الذين يحصلون على بعض التَّفريغ من أجل القيام بأنشطتهم الرياضية التي يمثلون فيها البلد، أو أنَّهم قد يحققون إنجازات تعود إلى البلد، وهم أيضًا ليسوا مثل الباحثين الأكاديميين الذين لهم حق التَّفرغ لمدة عام من أجل تطوير قدراتهم، والإطلاع على تجارب أخرى عبر العالم، أو يحق لهم التفرغ لفترات قصيرة من أجل إنجاز أبحاث يقومون بها وتعود بالنفع على مؤسساتهم المُختلفة، وهم ليسوا مثل رواد الأعمال الذين وضع لهم قانون يُجيز لهم التَّفرغ لمُدد مختلفة من أجل تطوير أعمالهم والنهوض بها، وهكذا يفرغ الجميع إلا المؤلفين الذين عليهم أن يؤلفوا رواياتهم وقصصهم ومسرحياتهم دون أيّ تفرغ، ربما لأنَّ ما يقومون به لا يُمثل أي مردود للبلد، فزيادة عدد الكتب التي تخرج من البلد قد لا يكون ذا قيمة إذا ما قورن بمؤسسات اقتصادية أو أندية أو مراكز بحثية، أو أنّ التأليف لا يُعد نشاطًا ضمن الأنشطة المُختلفة التي يقوم بها النَّاس، فماذا يعني كتابة رواية من قبل كاتب؟ وماذا يعني تأليف كتاب في الفكر؟ وماذا يعني كتابة قصة للأطفال؟، وربما يعود الأمر إلى حالة الثقافة وواقعها حيث إن مؤسساتها لا تزال تعمل بعيدًا عن النهوض بواقع المؤلفين وما يحتاجونه ليقوموا بدورهم ورسالتهم السامية في الترويج للبلد كواجهة ثقافية قوية في المنطقة.

 

إنَّ ما تقوم به بعض المؤسسات من الاحتفاء "بكتب الأموات" من المُبدعين يُمثل خطوة للاعتراف بقيمة الإبداع الفكري الثقافي، ولكن أيضاً يحتاج أن نهتم بالمُبدعين الأحياء، لا نريد لهم دعمًا مادياً، ولا نريد أن تلتزم المؤسسات بشراء إنتاجهم فذلك يتوقف على مُعطيات مالية واقتصادية، ولكن نُريد أن يعد برنامج يعترف بأحقيتهم في التَّفرغ لإنجاز إنجازاتهم الفكرية، لأنَّ الكتابة بدون تفرغ هي معاناة لا يعرفها إلا المؤلفون الذين يناضلون، ويقتطعون للكتابة وقتاً من ذاك المُخصص لجوانب حياتية، وأحياناً تتأجل أو تتأخر مشاريعهم الفكرية نتيجة عدم التَّفرغ، ولذا لابد من السعي إلى بلورة مشروع لتفريغهم لينتجوا أكثر، ويمكن وضع الشروط والضوابط لذلك، لأنَّ مثل ذلك التَّفرغ سوف يُساعد فئة تمتهن الكتابة والتأليف في الإنجاز بشكل أفضل، وفي زيادة عدد المُنتجات الثقافية العمانية، لأنَّ عُمان بلد العلم والمؤلفات والعلماء الذين تركوا عشرات الآلاف من الكتب.

إنني حين أضع هذا المُقترح، وأطالب بهذا البرنامج، فأنا لا آتي ببدعة إنما هو نهج تقوم على تبنيه كثير من بلدان العالم التي تؤمن بأنَّ الثقافة هي أفضل واجهة لأي بلد، وأن كاتباً واحداً قد يجعل بلده في مقدمة بلدان العالم، فعلى سبيل المثال نجد برنامجًا متخصصًا لذلك في السويد يعرف باسم "البرنامج السويدي لدعم المؤلف "The Swedish author's fund" والذي يقدم منح للمؤلفين والرسامين والمسرحيين لتفريغهم، وقد استفاد منه "3100" مؤلف، و "1100" مترجم حتى الآن، وبفضل هذا البرنامج تنشط حركة المكتبات في السويد، حيث يتزايد عدد المكتبات والإقبال عليها.

ستجني البلد كثيراً من ثمار برنامج تفريغ المؤلفين للتأليف، يكفي أن هذه الحركة الكبيرة لمؤسسات التعليم يتوقع كثيرون من حولنا أنها ستقود إلى جيل مؤلف ومنتج للمعرفة، ولكن حين يسأل عن المؤلف العماني أياً كانت هويته لا نجد إلا عددا قليل جدًا من الإصدارات، وهذا البرنامج سوف يسهم شيئاً فشيئاً في النهوض بهذه الإصدارات ونوعيتها، علاوة عن النهوض بالهوية العُمانية من خلال التأليف عن جوانبها، ورصد التحولات التي يمر بها المجتمع حالياً، من خلال رصدها في مسرحيات وروايات، وكذلك المشاركة في النهوض بالثقافة العربية، وسوف يسهم ذلك في تنشيط الحياة الثقافية الراكدة وتحريك أنشطتها سواء كانت صفحات ثقافية، أو برامج ثقافية، أو صالونات تحتفل بإصدارات متلاحقة، وكذلك ستتحرك الدافعية للقراءة، الجيل الحالي يُريد أن يقرأ حكايات عن نفسه ومجتمعه وتحولاته، لا يُريد أن يقوم الآخرون بتلك المهمة نيابة عنها، يكفينا أننا نعتمد على غيرنا في تنميتنا في بعض القطاعات، فلن ننتظر الآخرين ليكتبوا لنا عما نمر به من تفاصيل يومية وهم يجهلون ما يُحركها.

 

 المؤسسات الثقافية بصفة عامة ومجلس الشورى بصفة خاصة مدعوون لتحريك هذا المقترح، والدفع به إلى الأمام من أجل بناء مجتمع عُماني ثقافي، ينتج معرفة، ومن أجل تحويل المؤسسات الثقافية إلى حاضنة تركز على متطلبات الإبداع الفكري للمؤلف أكثر من تركيزها على منتجه النهائي، نريدها أن تسهل رحلة الإنتاج بدلاً من أن تحتفي بالإنتاج فحسب، إن كانت بالفعل تريد أن تكون صديقة للمؤلف وقريبة منه، وعوناً له، ولنصنع من عُمان مفكرة ..لا حدود للفكر فيها وهذا هو الشعار الذي نعمل به في دار الورّاق التي تعمل كحاضنة لتقديم أسماء جديدة، وللأخذ بأيدي الذين لا يجدون فرصة لأنهم لا يزالون في بداية مشوارهم، يراهم البعض مبتدئين .. ونراهم ثماراً لابد أن نتعهدها بالرعاية حتى تثمر، ولن نحيد عن هذا النهج مهما كانت التحديات التي نعمل فيها.