الحب بين الواقع والمأمول

 

 

مبارك السيابي

 

الحب هو ذلك الهمس اللطيف، ومؤنس الروح الخفيف، وبالمعنى فهو الجميل الذي يسحر العقل واللب، وعنده تستريح النفس من الهم والتعب.

به ينبض القلب بالعطاء، ليعطي عطاء الكرماء، مما يجعل جسد الإنسان في حالة وجد من شدة الغرام ولذته، ويشعر حينها وكأنه قد امتلك الكون برمته.

والحب منّة من الله وهبة لمن يستحقه من عباده لأنّه إذا أحب الله عبدا من عباده نادى جبريل أن الله أحب عبده فلانا فيحبه جبريل ثم ينادي جبريل في أهل السماء أنّ الله أحب عبده فلانا فأحبوه فيحبه أهل السماء ثم يوضع له القبول في الأرض.

والحب طفل يعيش في داخل النفس من حيث الصفاء والنقاء والبراءة والعفوية وهو عجوز من حيث دفء المشاعر وروعة الأحاسيس ورقتها وجمالها وعذوبتها وهو أم في الحنان الخالد والعاطفة المتدفقة. والحب هو لغة الحياة الرسمية لكل مخلوق وبدونه ليس للحياة نكهة ولا طعم ولا لون ولا رائحة فبالحب تستقيم لنا الأمور ولو أننا عمّقنا معانيه في نفوسنا وأصّلناها لما احتجنا لقاضٍ يفصل بيننا في خلاف، ولا مخفرًا للشرطة، لأننا لا نخشى أحدًا على أنفسنا ولا نخاف، فالحب الذي نثرناه في طرقاتنا وأزقة مدننا وأحيائها هو من يحكمنا.

وأنا هنا اليوم أحكي قصة حب قد عرفت تفاصيلها ولامست كل معانيها عن قرب وهي ليست حكاية ولا هي عن أبي أو جدي رواية، وهو حب أم لابنها الوحيد وهو ليس كأي حب، إنه نموذج يحتذى به؛ حب من فصيلة نادرة.

فهذه السيدة قبل أن تهب ابنها وفلذة كبدها حب الأم المتعارف عليه وهبته الإخلاص والوفاء والصدق في أسمى وأجلّ المعاني وهذه تعتبر من أهم مقومات أي حبّ ناجح. ثم بعد ذلك عرجت بحبها نحو الفضيلة والتضحية بكل شيء من أجل هذا المحبوب الغالي.

نعم لقد ضحّت بالشباب الذي هو عنوان الحياة وضحت بكل غالٍ ونفيس.

بل وضحّت بالحياة وكل متاعها والتي يمكن أن يكون الإنسان عندها سعيدا.

هذا النوع من الحب يعتبر فصيلة نادرة محظوظ من وفقه الله إليه.

والابن الذي يحصل على مثل هذه الرعاية وهذا الحب العظيم لو أنّه أفنى عمره كله على أن يفي ولو بالنزر اليسير لفشل ولما استطاع، اللهم إلا إذا صار يجثو على ركبتيه كلما رآها مقبلة وقادمة نحوه طالبا منها الرضا وأن تسامحه على التقصير، مع الإقرار بعجزه عن برها ورد الجميل لها كما يجب، سائلا الله لها أن يجزيها عنه خيرا. وفي مثل هذه المواقف فإنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد تحدث عن المكافأة وهو الذي ما ينطق عن الهوى.

 

تعليق عبر الفيس بوك