المعتصم البوسعيدي
قد لا أحتاج عند حديثي عن "كيرلا" الهندية للتغني بإرثها الحضاري وسحر طبيعتها وتنوعها الجغرافي، بقدر حاجتي للحديث عن بشرها الذين يشكلون ملامحها، يقول محمد شفيق دليلنا السياحي والعارف لهويتنا الخليجية بحكم عمله لأحد عشر عامًا في الكويت وقطر: "كيرلا ليست بومباي مثلاً في الزحمة وأشياء أخرى" النَّاس هنا يدركون جيداً قيمة السائح، فتجدهم حريصين على خدمته وعدم مضايقته، كما أن "كيرلا" تلقب "بالولاية المُثقفة" نسبة لعدد الطلاب المُتعلمين فيها، والفلم الذي شاهدته في مصنع الشاي بمنطقة "مونار"الخضراء غني بالتحولات التاريخية للهند وكيرلا على حدٍ سواء خاصة حقبة ما بعد الاستقلال في الخامس عشر من أغسطس عام 1947م.
إنَّ أكثر وصف يُمكن أن أطلقه على الحياة الهندية "الفوضى الخلاقة"؛ حيث الإحساس بأنَّ الحياة تجري بسرعة على غير الذي أعتدنا عليه، فلا وقت إلا للكفاح والعمل، مشهد الشوارع المكتظة وتنوع المركبات وكثرة الدراجات النارية بمُختلف أنواعها وصوت الأبواق الذي لا غنى عنه، كل ذلك وأكثر يقودك لفهم الإنسان الهندي وتغلغله في عالمنا المحلي والعربي ومُعظم بقاع العالم.
في الطريق سألت شفيق عن الرياضة وكرة القدم، ابتسم قائلاً ما معناه: "الكريكت طبعًا اللعبة الشعبية الأولى، لكن كرة القدم بدأت تأخذ حيزاً لا بأس به، وذلك بسبب إقامة بعض البطولات منذ ما يُقارب السنتين مما جعل النَّاس تُقبل على المستديرة بشكل أفضل من ذي قبل" وبأمانة لا أعتقد أن الهند تفتقر لإمكانيات إحداث طفرة بكرة القدم الهندية ولكن - حسب ظني الشخصي - هناك أولويات أكثر من كرة القدم، "فكيرلا" تستعد وخلال عام تقريباً من الآن لتشغيل "المترو" في مدينة "كوتشين" وبصناعة محلية وهنا يجب وضع خط على (صناعة محلية)، ناهيك عن الاهتمام بالسياحة، والسياحة الطبية على وجه الخصوص، إضافة لزراعة وإنتاج الشاي والأرز والموز وجوز الهند والمطاط والفانيليا والشوكلاته.
بالعودة لكرة القدم الهندية هناك بلا شك تطور ملموس، ومحاولات جادة لإيجاد مكانة مرموقة في خارطة الكرة الآسيوية، والدوري الهندي بات يستقطب أسماء عالمية كالإيطالي دل بيرو والفرنسيين أنيلكا وترزيجيه وغيرهم، ولن يكون مستغرباً بعد سنوات قادمة أن يُشار لكرة القدم الهندية كأحد المنافسين على البطولات، فمُحفزات النجاح المساعدة متوفرة سياحيًا واقتصادياً، علاوة على الغِنى الحضاري حتى على مستوى كرة القدم؛ فالاتحاد الهندي تأسس في العام ١٩٣٧م وتأهل لمونديال ١٩٥٠م، قبل أن ينسحب لرفض الفيفا لعبه بدون أحذية، والنمور الزرقاء حصلت على لقب أوَّل نسخة للألعاب الأولمبية في عام ١٩٥١م وحققت ثالث آسيا 1963م.
صديقي محمد شفيق قد يُعيد التاريخ دورته وتعود الهند متصدرة للكرة الآسيوية، ولا ضرر ولا ضِرار من هذا ولكن الخوف أن تكون كُرتنا المحلية والعربية على حدٍ سواء كما قال شاعرنا أحمد العريمي يومًا: "والشعوب تقدَّمت، وحنا نهرول للوراء" !!.