حمد العلوي
لقد أثارتْ تسعيرة الوقود الأخيرة، ضجَّة كبيرة غير مسبوقة، وأُشبعت نقداً وتمحيصاً من قِبل الكثير من كتاب الأعمدة، حتى إن مجلس الشورى أفرد لها اهتماما خاصا، وربما خرج بخلاصة فحوها تثبيت التسعيرة، وإن استقرَّ الرأي على ذلك، فهو حل ناجع بإذن لله، فحتماً سيرضي المواطن، ولن يجحف في حق وزارة النفط والغاز.
فالمواطن العُماني شهم كريم بطبعه، ونتذكر كيف كان سعيداً مرفوع الرأس، يوم رفضت الحكومة المعونات الخارجية، إثر الأزمة المناخية العارضة، وكان في أمسِّ الحاجة للمساعدة يوم جاء "جونو" الرهيب، وكانت خسائر البعض مؤلمة، لا تقارن بشيء مع عشر بيسات أضيفت إلى لتر البنزين، ولكنه ينظر بغضاضة إلى رفع سعر الوقود في ظل رخص النفط عالمياً؛ فهو برفضه هذا لا يريد أن يهاجم المسؤولين، بقدر خوفه على تأثر الوضع الاقتصادي، فمتى أُوضح له طمئن واستقر، ومد يده متعاوناً مع حكومة بلاده.
إنَّ المواطن العُماني لا ينكر على الحكومة قراراتها، ولكنه يريد أن يتعرف على الخطط التنموية، ويريد أن يعرف إلى متى ستظل التحديات الاقتصادية الراهنة بدون حلول جذرية تعينه على مصاعب الحياة. كما يريد أن يعرف لماذا تأخر البعض عن تنفيذ التوجيهات السامية للقائد المعظم -حفظه الله وأبقاه- وقد مرَّ عليها ثلاثون عاما؟! وهو الفارق بين أزمة البترول عام 1986 وأزمة عام 2016، لأنه اليوم يشعر أنه يدفع ضريبة نيابة عن بعض المسؤولين الذين لم يتمكنوا من جذب الاستثمار البديل عن النفط، في حين شهد الخام تراجعات حادة في الأسعار، ولكن إذا انتهى البترول، أو عُوِّم لوجود بديل منافس، فهل يظل المسؤول بعيدا عن تنفيذ خطط التنويع الاقتصادي. فعندما كان السعر المرتفع لم يفعل شيئا، فهل نحقق أي تقدم بعدما وقع الفأس على الرأس؟ وأصبحنا ندار بالأزمة، ومن تديره الأزمة، فإنها تأتي بكلفة عالية، وهي من تُجبر المُدار بها على الدفع المضاعف، وذلك على عكس الدفع المخطط.
إنَّ الدولة تُنفق الكثيرَ من الجهد والمال لتعزيز التنمية في البلاد وحماية مكتسبات النهضة عبر الأجهزة المختصة، لكنَّ يجب أن يتوازى مع ذلك ضخ مزيد من الأموال في المشروعات الخدمية التي تعود بالنفع المباشر على المواطن، لاسيما محدودي الدخل، ومن ذلك تسعيرة الوقود.
من المؤكد أنَّ الأوضاع الإقليمية تشهد تطورات غير مسبوقة من حيث تنامي حدة التهديدات وهو ما قد يؤثر على أوضاعنا المحلية، إذ لا يزال الحاقدون على عمان وأهلها يسعون للنيل منها بأي طريقة كانت، وهنا يتعيَّن علينا ألا نترك لهم المجال والباب مفتوحا، وأن نؤكد جميعا حكومة وشعبا أننا لحمة واحدة، نصطف خلف قائدنا المفدى.
لقد تغيَّرتْ طباع المواطن العُماني، وذلك نتيجة إهمال الأسرة له، فلم تعد خاصية التربية الوطنية الطاغية في سلوكه، فتُرك يبحث وينقب بين الثقافات البعيدة عن هوية يقتنع بها، وهذا الإخفاق أخذ شكل متتالية تصاعدية، فبعد المنزل يأتي دور المدرسة، ثم الدراسات العليا، ومعظمها نَحَىَ إلى التقنيات أي التعليم الموجه، وابتعد عن العلوم الإنسانية، وأمسى كل هم الناس علوم الماديات، فأهملوا العلوم الإنسانية التي تشمل العلوم الوطنية، وروحانيات الدين وعلوم السياسية التي تشمل التاريخ والجغرافيا، وكل ما يتعلق بطبائع البشر السلوكية، والقيم العاطفية والوجدانية، وهي تنمِّي قيم الاعتزاز بالذات؛ لذلك طَغَت المادة على القيم، ومع الوقت سينجذب الناس إلى الرشوة، والمنافع الشخصية. فلو نظرنا إلى البلاد العربية، تلك التي أُترفت بالرشوة، وسميت بالإكراميات الشخصية، لوجدنها قد ساحت مع أول رياح الخريف العربي، الذي أسماه الغرب بـ"ربيع" وكان السر في المال الفاسد.
إنَّ سيل النكات والأمثال والقصائد الشعرية، وحتى مواعظ بعض الوعاظ في المساجد، أكان بحسن نية أو غير ذلك، التي أنهمرت غزيرة عبر شبكات التواصل، لم تأتِ حتماً بمحض الصدفة، فهي أتت كالنار في الهشيم، فكلما حدث لغط في قضية من القضايا المحلية، تغلغلت إلى النفوس العطشى للمعلومة الصادقة، وقد توافق هوى النفس في تصديق ما كان يُظن أنه حقيقة، وهذا ليس ذنب المتلقي الذي يُظَنُّ عليه بالمعلومة التي تشفي غليله، لأن الغرس الوطني والإنساني كان ضعيفاً، وبسبب ذلك نشأت منطقة رمادية في نفسية المواطن، فأصبحت المقارنات الخاطئة هي الأكثر انتشاراً، فأخذ هذا المواطن يستسهل ضرب الأمثلة على وطنه، وذلك مقارنة مع دول أخرى ظناً منه أنَّ الناس هناك يعيشون في كنف من المن والسلوى.
إذن؛ أفضل الحلول الناجعة تلك التي تذهب إلى جذور المشكلة، واجتثاثها من أصولها العميقة، ولكن ماذا نفعل ونحن نفتقر إلى مراكز البحوث العلمية، وما فتئنا ننادي باستحداثها للحاجة القصوى، ولكن لا من مجيب، وتركنا الناس يسلمون بصدقية ما تدسه الشبكة الخبيثة، فيصبح المواطن في شطط لطلب معرفة المعلومة، ومسؤول يظن بها، ويترفع عن مواجهة المواطن، بحجة ثقل الوظيفة.