كاريزما المسؤول

حمود الطوقي

في العام 1988م، حَدَثت انتكاسة في أسعار النفط العالمية، ومرَّت الدول بمراحل صعبة على مستوى الأداء الاقتصادي فيها، وهو ما يشبه -في تفاصيل تأثيره- ما نشهده الآن من تأثيرات السوق العالمية النفطية وانعكاساتها المحلية.

في تلك المرحلة، قامت صحيفة "أخبار الخليج" -التي تصدر في مملكة البحرين- بنشر حوار مع المقام السامي لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- وفتحت محور الأزمة النفطية آنذاك، في جملة مجموعة من الأسئلة التي تبحث عن رأي جلالته في الشؤون العُمانية والخليجية والعربية والعالمية.

وبالنظر للمحور المتصل بالأزمة النفطية، ورؤية جلالته -حفظه الله- إلى واقعها وآثارها المترتبة، سنجده أتى على ذكر تداعياتها الاجتماعية المحتملة؛ ومن بينها: الأضرار التي ربما تنشأ في تفاصيل مختلفة على المواطن العُماني، وهي جزئية مهمة، ولذلك كانت إجابة جلالته -رعاه الله- بما نصه: "حال وضعنا الاقتصادي كحال الدول الأخرى، هناك تراجع في المدخول، لكن ذلك لم يؤثر على الإنفاق الرئيسي للدولة، فكل ما له علاقة بحياة المواطن لم نحاول التأثير عليه، بل العكس، فقد حافظنا على المكاسب في ترشيد الإنفاق العام".

وتتَّضح من خلال إجابة المقام السامي أنَّ الآثار واحدة على مُستوى الدول، ولكنها تختلف من حيث رؤية كل دولة إلى طريقة الإنفاق الرئيسي فيها، ثم إنَّ جلالته -حفظه الله- أبْعَد المواطن عن أيِّ تأثير قد يطاله، من خلال الاستفادة من المكاسب لسد حاجة المواطن من ناحية، والتوازن في مستوى الإنفاق للدولة من ناحية أخرى.

ويبدو لكل ذي عينين أنَّ جلالته وَضَع نهجا حكيما ورؤية عميقة في طرق التعامل مع الأزمات والتفاعل معها، بما يستوجب الحفاظ على مكانة المواطن، والنأي به عن أنْ يكون ذريعة لسد خلل في معطيات سوق عالمية، مع الحفاظ على مسار الدولة بمؤسساتها ومشاريعها.

الخطاب السامي في هذا الحوار يدلُّ على رُؤية عميقة وواعية، وفاحصة ومدركة، وخبيرة لما ينبغي أن تكون عليه لغة المعالجة الواقعية، بل يُمكن أن نعتبره نهجاً حقيقيًّا كان من الأولى أن تهتدي به الأجيال التي تسلمت زمام الأمور في التعاطي مع مؤسسات الدولة، سواء كانت إدارية أو مالية أو إستراتيجية، وهذا سيُحيلنا إلى مقارنات مع طرق ووسائل وأساليب تعاطي المسؤولين الحاليين مع الأزمة النفطية التي نعيشها حاليا، والتي دفعتْ ببعضهم إلى الإدلاء بتصريحات تجعلهم خارج المشهد وليسوا داخله؛ لأنهم يتحدثون بلغة التنظير وليس الواقع.

نعتقدُ أنَّ كاريزما المسؤول لدينا ينبغي أن تكون تفاعلية وليست تنظيرية، وأن تكون مشاركة وليست متفرِّجة، حتى يستطيع الشعب أن يتفهمها، وأن يتفهَّم خطابها.

كان من الأولى تهيئة الناس في وقت الرخاء للتعامل مع ظروف وقت الشدة، عن طريق التوجيه والتعويد، وتثقيف غير الواعين بضرورة التعاطي مع كل أزمة على حسب حجمها، وليس بأن يدفع الجميع الثمن، وبعد كل ذلك تصدُر تصريحات تفرط في اللوم، على حساب السعي نحو إبعاد المواطن عن آثار لم تكن له يد فيها، وتحميله أخطاء سلوكه، بينما ينتمي الغالبية منهم إلى شريحة باحثين عن عمل أو ذوي دخل محدود؛ فهموم المواطن ليست محل ثرثرة، وواقعه المرتبط بمشكلة حقيقية ليس محل تنظير.

ومن الصعب التعامل مع مطالب المواطن البسيط بطريقة غير مناسبة، فلكل مقام مقال، ولكل ريح شراعها، وما نظنه صحيحا هو أن التعامل مع الأزمات يحتاج إلى لغة خطاب تفهم وتتفهم، منطقية وواعية، منظمة وتتحدث بلغة الناس.