"ادفع وإِنْت ساكت"!

 

 

هلال الزيدي

 

كثُر الحديثُ عن ارتفاع سعر المحروقات لهذا الشهر؛ والجميع مُتذمِّر من هذه الزيادة، إلا أنَّ الثرثرة الزائدة لا تُعتبر إلا تنفيسا لقبول الوضع على ما هو عليه من مبدأ تعديل سلوك المستهلك والمحافظة على تربية المجتمع، بحسب وصف أحد المسؤولين، وهذا إنْ دل على شيء فإنَّما يدلُ على التفكير في اتجاه واحد؛ كونه يعد ذلك مبررًا لوضع أية تسعيرة كيفما يرى المسؤول؛ لذا ما على الأفراد إلا أنْ يدفعوا بصمت، مع شيء من ابتسامة الرضا حتى لا ترتفع حدة الحساسية لديهم.

رُدود الأفعال التي قدَّمها مجلس الشورى هي ردود لتسجيل موقف من نافذة الدور البرلماني، لكنها لا تُعد إلا تهدئة أو مُسكن لمواصلة المسيرة التي تُعنون بشكل مستمر "رفع مقترح للحكومة" وما عدا ذلك فهو غير قابل للنقاش، وهذا يعود إلى حُسن  اختيار المواطنين لمن يُمثلهم؛ فحقا هم "ممثِلون" للمواطنين، ولكنهم لا يمتلكون صنع قرار أو تأثيرا لتعديل قرار، فمن الأنسب أن تنتخب وأنت "ساكت" لأنك اخترت الأقوى حضورا وفق اعتبارات ليس من بينها الأفضل للمصلحة العامة.

إنَّ الفرق بين التخيير والتسيير كبير؛ فالأول يحتاج إلى نضوج مجتمعي وبناء معرفي ومبادئ لا تحيد عن الحق قيد أُنملة. أما الثاني، فهو منظومة ممتدة بامتداد الرضوخ وقوة رياح التسلط في وجود أشخاص يفكرون بحسب ما يرون فقط.

إذاً في هكذا قضية نستطيع أن نؤكد أنَّ المواطن مُسيَّر وفق ما يراه المسؤول، لذلك ليس من الصحيح أن يرفع بطاقة اعتراض أو عدم قبول، إلا إذا كانت هناك مؤسسات مجتمعية تتولى قيادته لتغيير ما سُيِّر إليه بقوة حضورها المجتمعي؛ كتلك التي يعنيها شأن المستهلك، والإشارة هنا لقوة المقاطعة حتى يتأثر صاحب القرار ويتحسس قوة المواطن الذي به جاء وعليه تقلد المسؤولية، وهذا لا يتوفر في المستقبل القريب والبعيد.. لذلك الخلاصة التي يقولها المسؤول: "أنتم مسيرون ولستم مخيرين.. فادفعوا وأنتم صامتون".

من الأنسب أن يستمع الرأي العام -عفوا عفوا الجمهور- لأنَّه لا يوجد رأي عام، وإنما هناك رأي واحد؛ فالصحيح القول جمهور مختلف التوجهات ومتعددة الاحتياجات، وجميعهم يريد العيش في صمت حتى لا يوصف بانفصام في الشخصية ويصنف بأنه خارج المنظومة، نعم من الأنسب أن ينفذ الجمهور إرادة المسؤول، وذلك حتى يشعره بالأمان ويعلمه النظام، وهذا يعد نوعاً من الدلال الزائد الذي يمنح للمواطنين لأن هناك مسؤولا يفكر عنهم ويدرس ويقرر.. حتى التفكير لا يريد أن يُرهقكم به، ففكَّر وقدر، ثم فكَّر وقرر، ثم نظر، ثم غيَّر؛ فقال أنتم بحاجة إلى تربية وسلوك.. إذاً عليكم أن تضحكوا وتدفعوا.

إنَّ البحثَ في البدائل التي قدمها المسؤول تعد من الأمور التي علينا أن نتمسك بها وبالفعل كانت كثيرة، مع التأكيد على أن هناك بدائل أخرى نحتاج إلى الالتفات إليها كونها تُمثل عادات وتقاليد حضارية وتُعطي مؤشرا مهما بتمسكنا بهويتنا، كالرجوع إلى استخدام وسائل تنقل مثل الحمير والجِمال وغيرها حتى نقنن سلوكياتنا الاستهلاكية، هذا مع استخدام وسائل النقل العامة والمتاحة بصورة كبيرة كالقطارات والميتروهات والمواصلات التي تتيح لك الوصول إلى أي بقعة في البلاد!! لذلك فنحن نشد على كلام المسؤول ونقول: لماذا لا يستخدم المواطنون المتواجدون في قرية أو حارة واحدة سيارة أو سيارتين بدلا من 10 سيارات تستهلك وقودا أكبر؛ وهذا يقودنا إلى رفع شعار "خلا رباعه.." وإلا فادفعوا وأنتم ساكتون مبتسمون.

ليس من المناسب أن نتحسَّس من ارتفاع سعر المحروقات؛ كونها خدمة تصب في مصلحة الحكومة، أقصد الوطن؛ لذا فمن الطبيعي أن نتكاتف ونتعاون حتى نسد عجز الموازنة بسبب حياة الرفاهية التي نعيشها وعشناها في السابق، فالتعليم والعلاج والسكن والماء والكهرباء كلها خدمات مجانية أو مدعومة، لذا فمن الضروري أن نتحمل فاتورة الارتفاع حتى نحظى بخدمات "سوبر ستار" وبالتالي يستطيع المسؤول "السوبرمان" إيجاد بيئة حاضنة لأفكاره وملهمة لتطلعاته ويسيِّرنا إلى شواطئ الأمان.. إذاً عليكم أن تدفعوا لسد العجز.

بطبيعة الحال وبصورة مسلّم بها فإنَّ ارتفاع تسعيرة المحروقات ستزيد من ارتفاع أسعار مختلف البضائع؛ لأن التكلفة ارتفعت؛ وبالتالي فإن المستهلك هو الضحية، وهذا إذا افترضنا أن رقابة الأسواق من قبل الهيئة العامة لحماية المستهلك يكون قولا وليس فعلاً، إلا أننا ما زلنا نؤمن بقوة الهيئة في واقع عملها، على أية حال سندفع حتى وإن ارتفعت الأسعار ونحن نضحك.

--------------------

همسة..

بَيْن قوة الدفع وردة فعل الحراك بَوْن شاسع.. فكلما زادت قوة الدفع زادت قوة الولاءات؛ وبالتالي ارتفعت وتيرة الصمت. وكلما دفعنا في صمت، حققنا سلوكيات التربية الصالحة، إذاً "سكوت.. هندفع"!

abuzaidi2007@hotmail.com