ثقافة الاستثناء

 

 

سَيْف المعمري

 

رَغْم وُضُوْح التشريعات واللوائح المنظِّمة لعملِ جميع المؤسسات في السلطنة، والتي تدرَّجت مَع مَرَاحل البناء الشاملة التي جاءتْ مُتَّسقة مع طبيعة الإنسان العُماني، ومتناغمة مع التطور الحضاري الذي شهدته السلطنة من عُمر نهضتها المباركة، فقد تُوجِّت تلك التشريعات بصدور النظام الأساسي للدولة في العام 1996م والذي أصبح مصدراً رئيساً لجميع التشريعات والقوانين واللوائح المنظمة لآليات العمل وللحقوق والواجبات والأحكام العامة في الدولة.

وتضمَّن نص المادة السابعة عشرة من النظام الأساسي للدولة "المواطنون جميعهم سواسية أمام القانون، وهم متساوون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم في ذلك بسبب الجنس أو الأصل أو اللون أو اللغة أو الدين أو المذهب أو الموطن أو المركز الاجتماعي". وبرغم وضوح المادة للجميع، إلا أنَّ ثقافة الاستثناء زاحمتها وأصبحتْ ديدن كل من يدلف لمؤسسة خدمية حكومية أو خاصة، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك فأصبحت ثقافة سلبية يتشبث أصحابها بحب الذات وعدم الاكتراث بحقوق الآخرين وظروفهم.

وثقافة الاستثناء -بمختلف مسمياتها وأهدافها- لا يقتصر وجودها في مجتمعنا العُماني، وإنما في المجتمعات الأخرى على السواء، وإنْ كُنَّا لا يُمكن أن رفضها في معاملاتنا على المطلق، ولكن لا يمكن بكل حال من الأحوال أن تتجاوز القانون الذي جاء شاملا ومتسلسلا ومتناغما مع جميع ظروف الناس، ومراعيا الحالات المستحقة للاستثناء.

وهناك نماذج كثيرة من الاستثناءات التي نراها ونسمعها صباح مساء في مؤسساتنا كطلب الاستثناء المسبوق بعبارة: "جاينك من طرف فلان"، إضافة إلى الاستثناءات التي تكون ضمنية بمشاهدة الموظف الفلاني لزميله المراجع أو أحد أصدقائه أو من تربطه علاقة بأسرته ونحو ذلك، وهناك نماذج أخرى لا يتسع المجال لذكرها جميعا.

ورَغْم أنَّ ثقافة الاستثناء في مجتمعنا لا ترتكز على قانون، بل هي مخالفة له، إلا أنها تجذرت في المجتمع فتعطلت معها مصالح الناس، وابتعدت عن المثل الأخلاقية التي جاء بها ديننا الحنيف والذى دعا لعدم الإضرار بمصالح الآخرين "لا ضرر ولا ضرار"، وللأسف الشديد يتلذَّذ أصحاب القلوب الضعيفة في المجتمع بسرد قصصهم بأنَّ معاملاتهم يتم إنجازها في أقل من الوقت المتعارف عليه.

ولعلَّ من أبرز مخرجات تلك الممارسات وتلك الثقافة البائسة التي عشَّعشت على عقول ضعاف النفوس حرمان الكثير من المستحقين لحقوقهم في المعاملات التي يتقدمون بها، والتي تبرر لهم بحاجتها لدورة مستندية مرتبطة بزمن معين، وأحيانا بعدم انطباق الشروط واللوائح على طالب الخدمة، وهي اجتهادات قد لا تستند إلى تشريع وقانون معين، وليقين ذلك الموظف بأنَّ الكثيرَ ممن يتم الاعتذار لهم عن تقديم الخدمة بمختلف الاسباب سيقتنعون بتلك الاعتذارات، وليس كلهم يستطيع أن يصل إلى الوزير أو الوكيل لمعرفة حقيقة تلك الاعتذارات.

كما أنَّ من مُخرجات ثقافة الاستثناء اعتماد فئة من المجتمع على صناعة العلاقات الحميمية مع موظفين في عدة قطاعات؛ لتمرير مصالحهم الشخصية ولتبادل المنافع الشخصية في قضاء المعاملات على عقيدة "اخدمني بخدمك"، بينما توغر صدور الآخرين على مؤسسات الدولة والذين يتم ردهم وصدهم المرة تلو الأخرى بحجج ما أنزل الله بها من سلطان.

إنَّنا في مرحلة أكثر إلحاحا لقيام مؤسسات الدولة وموظفيها بمختلف مواقعهم ومسؤولياتهم بواجباتهم كما هو المعوَّل عليهم، والتعامل مع الجميع بمنتهى الشفافية والموضوعية، وأنْ لا يتم إساءة استغلال الوظيفية تحت مظلة القانون وبعيدا عن تغليب المصالح الشخصية الآنية على المصالح العليا للوطن، كما أنَّ على المؤسسات الرقابية والقانونية بالدولة أن تشدد قبضتها على المخالفين، وأنْ تكون صدورها أكثر رحابة للاستماع للممارسات الخاطئة التي تشهدها مؤسساتنا، وأن تتبنى المؤسسات الرقابية والقانونية آلية عمل للمحاسبة الفورية للمخالفات ذات الضرر الجسيم، إضافة إلى توظيف التكنولوجيا الحديثة في تنفيذ جميع المعاملات ضمانا للعدالة والشفافية؛ بحيث لا يُترك مجال للاستثناء إلا في حدود القانون.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت....،

Saif5900@gmail.com