فكوا عقال تنمية الضواحي والحارات القديمة

 

حمد العلوي

إنّ إنجازات النهضة كثيرة بحمد الله وفضله، وكل عمل ضخم هو بمستوى النهضة العُمانية المباركة التي بدأت من تحت الصفر عام 1970م، بمسافة قرن ونيف من الزمن، حيث توقفت عُمان عن النمو والتطور عند العام 1858م، ومما لا شك فيه أن ترافق هذه الاندفاعة الكبرى بعض المثالب، والتي يجب الرجوع إليها ومعالجتها، حتى لا تشوه محاسن البناء الحديث، وهي قد لا تكون بالصعوبة الكبرى، إذا ما شُخِّصت وحددت جيداً، ولا يجب على المرء أن يقف أمامها عاجزاً عن وضع الحلول الناجعة لها، فعلى سبيل المثال، ضواحي النخيل الموروثة، وكذلك الحارات القديمة التي نشأت قبل نشأة نُظم الإسكان والبلديات، التي لو لحقت عليها، لما وُضعت طوبة على طوبة، ولا حصاة على حصاة، إلا بملكية و"كروكي" وإباحة بناء، صغرى ووسطى وكبرى وعظمى، ومع ذلك لن تُبنَى قلعة نخل على تلة جبل، وقلعة الرستاق بلا أقوس من حديد، ولا قلعة نزوى على شكل برج دائري.

إن البناء القديم يحسب على أصحابه الذين رحلوا، ويفترض منا اليوم القول، عفا الله عما سلف، وإلا كيف كنتم - أيّها المسؤولون - ستسمحون لمسفاة العبرين أن تعلَّق على سفح جبل، أم كيف كنتم ستسمحون بشق الأفلاج تحت الأرض دون ملكية مسبقة، وإباحات متدرجة، ثم يذهب مسافات قد تتجاوز عشرات الكيلومترات في أراض ليست ملك أحد من أهل الفلج، ثم كيف ستسمحون بإنشاء (غرّاق فلاّح) وبأي مقياس من مقاييس هذا العصر، ستحسبون نسبة الانخفاض، ثم الارتفاع مرة أخرى، وإذا عُدنا إلى بناء الحارات والحصون في زمن انعدام الوسائل الحديثة، والبناؤون لا يملكون شهادات علمية، وحتى شهادة لا إله إلا الله لم يكونوا يعرفوها بعد، وقد عرفها البعض لاحقاً، وذلك ببعث سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم رسولا ومعلماً، ولكنهم كانوا يبنون العمارات من دور ودورين وثلاثة، ووضعوا فيها الممراق والفرخة للضوء والتهوية، والروزنة والوتد والشطب لوضع الأدوات فيها وعليها، والصريدان للطبخ والتدفئة، وعملوا المثاعيب والمزاريب، لإبعاد ماء المطر عن جدار الطين.

إذن، فإذا كُنّا سنقول، تلك أمة قد خلت لها ما لها، وعليها ما عليها، فإنه ينبغي علينا وعلى وزارة الإسكان على وجه الخصوص، أن تصدر التشريعات التي تقر بخصوصية ما سلف، وأن تعترف بخصوصية ضواحي النخيل الموروثة، وكذلك عوابي الزراعات الفصلية، وهذه مصطلحات يعرفها العُمانيون، ولها نظمها الخاصة والدقيقة في رعايتها وحيازتها وريِّها، وكذلك الحارات القديمة، لها نظامها الخاص في الحيازة والاستخدام، فإذا نحن أحيينا سنن البحر وأقريناها، وأعطيناها حقها في الرعاية والإعلام بها، فالذي يُطالب به العُماني اليوم، أن تُحَلّ عقدة الضواحي الزراعية، والحارات القديمة، لأن ربطها بقانون الأراضي الممنوحة من الدولة، لن يحل معضلتها بل يزيدها تعقيداً، ذلك من حيث منع الخدمات العامة، وخدمات التنمية الزراعية، ولن يكون هناك استثمار فيها، إلا بملكية صعب على الناس الحصول عليها بسهولة ويسر.

إنّ الاقتراح الذي نرفعه إليكم، يمثل رغبة المواطنين، فعلى سبيل المثال، ضواحي النخيل المتداخلة، قد قسّمت عشرات المرات بين الورثة، حتى بلغ التقسيم لدى البعض، مرحلة رأى الورثة وقفه على المورِّث، لأنّ قسمته أصبحت مستحيلة، والناس لا تطمع في المال، كما تطمع في الذكرى المعنوية، وكذلك الحال في الحارات القديمة، وإن بعض هذه الأملاك، قد هجرها أهلها إلى إفريقيا من أزمنة بعيدة، أو إلى بعض النواحي المجاورة، ومنهم من انقطعت أخباره، وبعضهم معروف مكانه، ولكنه لم يقرر العودة بعد، ولهؤلاء أموال ومساكن، ولا يمكن التصرف في أموالهم دون رضاهم، ولهذه الأسباب الكثيرة، لا يمكن استخراج ملكيات في حق هذه المواريث بالشروط الحالية، ولهذه الأسباب أيضاً، قد حُرمت هذه الحارات والضواحي من الخدمات العامة، لأنّها مرتبطة إلزاماً بملكية ومالك وبالبطاقة المدنية.

إنّ الحل الذي نقترحه على وزارة الإسكان، وغيرها ممن له علاقة بالتشريع والتنظيم، أن ينشئوا ملكية خاصة بمسمى (ملكية استثمار وتنمية) لا تُجيز البيع والشراء في هذه الأملاك من قبل حاملها، وقد يكون وكيل الفلج أو أي شخص آخر يختاره الأهالي لذلك، وإنما هي ملكية تنمية واستثمار، تسمح باستقدام الخدمات كالكهرباء والماء والخدمات الأخرى، والتي يتطلب فيها ملكية إدارة، وليست ملكية حيازة، ويتم نقل ملكية الإدارة بقرار من غالبية أهل البلد، وأن يظل البيع والشراء حسب نظم وتقاليد البلدان العُمانية، ويتم توثيقها من قبل الكاتب بالعدل، وهذه الملكية يُفضّل إسناد إصدارها إلى المجلس البلدي، وبتصديق من وزارة الإسكان إذا لزم الأمر، وأن يصدر المجلس التنظيم الخاص بذلك، إلا إذا أنتم مُصروِّن على أن يظل (تفق برزة).

وبهذا المقترح سيُفك عقال التنمية في الزراعة التقليدية؛ لأن المساعدات الحكومية تفترض وجود ملكية، وكذلك الحارات القديمة، إذا ما رممت وأحسن إدارتها، فإنها ستدر ثروة عظيمة، وستساعد أهل القرى والبلدان، لكي يجدوا مصدر رزق مضمون لهم، ونموه بنمو الخدمات، فالسياح الأجانب، تستهويهم السكنى في المنازل القديمة، ويدفعون بسخاء لأجل ذلك، ولكن عدم وجود ملكية انتفاع، قد عطل تنمية الحارات، ويزيد في اندثارها هذا التعطيل، إذن، حان الوقت إلى العمل الجاد في تسهيل هذه المهمة، وذلك بما يخدم المصلحة العامة، فهلاّ بادرتم بفك عقال التنمية، المُحكم عقالها اليوم بملكية فُصِّلت لزمنٍ لا يتوافق وشرع الماضي، فهذا الماضي الذي كان رائعاً، والحفاظ على خصوصيته اليوم أصبح أمرا واجبا، وألا نظل نتغنى بتلك الأمجاد دون احترامها كما ينبغي.