صالح عبد الله البلوشي
عندما تلقيت دعوة من رابطة الإعلام والثقافة الإسلامية بطهران للمشاركة في مؤتمر الحوار الثقافي العربي الإيراني الذي أقيم في الفترة من 21 إلى 24 من يناير الجاري في طهران ومشهد لم أتردد لحظة في قبول الدعوة؛ خاصة بعد أن علمت بأنني سأكون في لجنة "وسائل الإعلام ودورها في الحوار الثقافي بين إيران والعالم العربي"، التي عقدت اجتماعاتها في جامعة العلامة الطباطبائي بطهران.
لقد كان استقبال الإيرانيين لنا يتّسم بالحفاوة بالغة، وأثنوا كثيرًا على مواقف السلطنة من القضايا الإقليميّة والدولية وخاصة دورها في المفاوضات النووية بين إيران والغرب والولايات المتحدة، وكان واضحًا من جلسات المؤتمر بلجانها المتعددة أنّهم يسعون إلى توثيق العلاقات مع المثقفين والمفكرين العرب والاستماع إلى أفكارهم ووجهات نظرهم حول مستقبل العلاقات بين العرب وإيران، بالإضافة إلى سعيهم إلى إيجاد تعاون مشترك بين الجامعات الإيرانية والعربية، ولذا حظيت جلسات المؤتمر بتغطية واسعة من وسائل الإعلام الإيرانية المختلفة وبعض القنوات العربية كالميادين والمنار والاتجاه وفلسطين وغيرها، وقد التقيت ببعض أساتذة الجامعات والمفكرين الإيرانيين كعميد قسم اللغة العربية في جامعة العلامة الطباطبائي في طهران، والدكتور محمد علي آذرشب الأستاذ في جامعة طهران ورئيس مركز الدراسات الثقافية الإيرانية العربية، والدكتور محمد مهدي التسخيري رئيس المركز الدولي للحوار بين الأديان؛ وأكدوا لي جميعا على أهمية التعاون والحوار الثقافي بين إيران والدول العربية؛ لأنّهم أبناء حضارة واحدة اشترك فيها العرب والفرس معاً. وقد اتّسمت جلسات المؤتمر بالصراحة من الجانبين العربي والإيراني، فقد انتقد الدكتور هاشم حسن التميمي عميد كلية الإعلام بجامعة بغداد الدعم الإيراني لبعض القنوات الفضائية التي يقول إنّها تقدم خطابًا طائفيًا في برامجها، وانتقدت الإعلاميّة التونسيّة كوثر البشراوي الخطاب التأجيجي لبعض القنوات الإخبارية، بينما تحدث الدكتور عبد العزيز القطان عن ضرورة تجاوز الخطاب الطائفي من الطرفين وتقديم خطاب إسلامي معتدل بعيدا عن الأدلجة والتطرف. هذا الخطاب الإعلامي المشحون بين الجانبين من وجهة نظري أسهم بشكل كبير في تغذية التوتر في العلاقات بين كثير من الدول العربية ومنها دول الخليج – باستثناء سلطنة عمان – مع إيران؟ فما هو السبب في ذلك؟ هل السبب أنّ العرب لا يفهمون السياسة الإيرانية أم أنّ ذلك نتيجة التدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلة لبعض الدول العربية؟ أنا أعتقد أنّ هناك سوء تفاهم كبير بين العرب وإيران أسهم بشكل كبير في استمرار حالة القطيعة بين الدول العربية وإيران؛ لأنّ استمرار حالة القطيعة والتباعد بين الأطراف المختلفة تجعل من كل طرف يحمل صورة مشوهة عن الآخر، وبدلا من الثقة المتبادلة تكون حالة سوء الظن هي السائدة؛ لأنّ كل طرف لا يستطيع أن يوضح وجهة نظره للطرف الآخر بسبب القطيعة، ولذا فإنّ الحوار هو الحل الوحيد للخروج من حالة عدم الثقة التي تسود في العلاقات بين كثير من الدول العربية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، ويرجع أسباب حالة عدم الثقة هذه في نظري إلى عدة أسباب، منها: أولا: افتقار الوطن العربي إلى وجود مراكز دراسات استراتيجية تُعنى بالشؤون والدراسات الإيرانية، من أجل التعرّف على هذا البلد وحضارته بما يخدم العلاقات بين الدول العربية وإيران، ولا يوجد من هو مهتمّ بدراستها والتعمّق في سياساتها ومستقبلها، ولذلك فإنّ العالم العربي يفتقر إلى وجود كتب وأبحاث سياسية رصينة عن إيران يرجع إليها أصحاب القرار لفهم إيران وكيفية التعامل معها. ويُلاحظ أيضاً أنه رغم القرب الجغرافي والحضاري بين العرب وإيران إلا أنّ هناك قطيعة غير مبررة بين الطرفين في جميع المجالات، السياسية، والثقافية، والعلمية، والأدبية، وغيرها، فهناك – مثلا – قليل من الترجمات الفارسية للأدب العربي، وكذلك هناك ندرة في الترجمات العربية للأدب الفارسي، باستثناء جهود فردية يمارسها بعض الأدباء هنا وهناك، وأذكر منهم المرحوم الدكتور إبراهيم الدسوقي شتا وإبراهيم أمين الشواربي ومحمد علاء الدين منصور وغيرهم في الجانب العربي (المصري) والشاعر موسى بيدج في الجانب الإيراني، وهنا أشيد بدور المركز القومي للترجمة في مصر ومجلة "شيراز" التي تصدر عن مركز الفكر والفن الإسلامي في إيران لدورهما الكبير في ترجمة الأدبين الفارسي والعربي. إن إيران دولة مهمة جدًا في الشرق الأوسط والعالم وقد اثبتت أهميّتها في قضايا كثيرة مرتبطة بالعالم العربي مثل العراق وسورية واليمن وفلسطين ولبنان وغيرها، وبغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع سياساتها فإننا بحاجة ماسة إلى دعم الحوار معها في النواحي السياسية والثقافية والإعلاميّة المختلفة، لأنّ عدم الحوار يعني المواجهة وهي ليست في مصلحة أحد في المنطقة لا العرب ولا إيران. وثانيا: وجود اتهامات عربية على بعض التصريحات التي تصدر بين الفينة والأخرى من طهران ويعتبرها العرب تدخلا في شؤونهم الداخلية.
يقول المفكر القومي معن بشور الأمين العام السابق للمؤتمر القومي العربي في الكلمة التي ألقاها في الجلسة الختامية للمؤتمر التي أقيمت في مدينة مشهد إنّ أي مستقبل للعلاقات بين الدول العربية وإيران مرهون بأمرين وهما: إدراك عربي على المستوى الرسمي والشعبي أنّ إيران تشكل عمقا استراتيجيا وحضاريا للأمة العربية لا يمكن القفز فوقه أو تجاهله، وإدراك إيراني رسمي وشعبي بطبيعة الهواجس والمخاوف التي تحيط بنظرة بعض العرب تجاه إيران ودورها وسياساتها والسعي لطمأنتهم ومعالجة الأسباب والجذور.
إنّ الحوار العربي الإيراني وتوثيق العلاقات السياسية والاقتصادية والثقافية بين الدول العربية وإيران بات مسألة ضرورية جدا للحفاظ على أمن المنطقة بما يعود بالنفع على شعوب المنطقة والعالم، لأنّ التوتر لا يخدم أحدا، بل يؤثر سلبا على الجميع وعلى السلام والأمن في المنطقة خاصة وأنّ هناك عوامل مشتركة كثيرة بين العرب وإيران، منها: العقيدة الإسلامية المشتركة التي تجمع بين العرب وإيران بغض النظر عن الاختلاف في المذهب، وخاصة أنّ كثيرًا وربما أغلب علماء أهل السنة الكبار وأصحاب الصحاح والسنن والأسانيد كانوا من الفرس، مثل: البخاري ومسلم والحاكم النيسابوري والترمذي والنسائي وأبو حنيفة والفخر الرازي وغيرهم، بينما أئمة الشيعة هم من أهل البيت، وهم عرب، وكذلك كثير من علماء الشيعة الكبار هم من العرب مثل الشريف المرتضى وأخوه الرضي والشيخ المفيد وغيرهم، والمصالح المشتركة بين العرب وإيران حيث تربطهم مصالح مشتركة ويواجهون عدوا واحدا مشتركا وهو إسرائيل والنفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة.
إنّ العالم العربي وإيران بحاجة إلى مزيد من هذه المؤتمرات من أجل تقريب وجهات النظر وبناء استراتيجية تقوم على التعاون المشترك في المجالات المختلفة لمواجهة الأخطار التي تحدق بالمنطقة سواء العالم العربي أو إيران.