حميد بن مسلم السعيدي
الضمير اسم غائب من الواقع ومجهول الهوية وفاقد للسلطة في الوقت الحاضر، ويفسر بأنّه المقياس أو الضابط الحقيقي لتصرفات الإنسان، هو من يتولى إيقاظ الإنسان من غفوته ومن تصرفاته وسلوكياته غير الواقعية، فهو أحاسيس ومشاعر داخلية تقوم بأدوار نحو برمجة السلوكيات نحو الإيجابية.. لذا فإنّ بعض التصرفات الخاطئة التي يقوم بها البعض تعلل بأنها ناتجة عن غياب أو موت الضمير، وحينها يقوم الفرد بسلوكيّات دون أن يضع لنفسه أسس تضبط تلك السلوك وتوجهه بالطريقة المناسبة، ولكن أليس لهذه الضمائر قانون أو أداة تتحكم في الفرد لتصبح سلوكياته إيجابية وفقا للأنظمة والقوانين، لماذا نتهم الضمير بأنّه غير فاعل في توجيه الفرد عندما يرتكب الأخطاء؟
أم أنّ الضمير هي شماعة نلقي باللوم عليها كلما أخطأ أحدهم في تصرفاته وقراراته، وهل نحن قادرون على تربية الضمائر وأدراجها في مناهجنا الدراسية حتى نستطيع تعليمها للأجيال القادم بحيث نغرس فيهم معنى القيم والمبادئ الإنسانية السامية لتصبح الأداة التي تضبط السلوك؟
فعندما يكون الحديث عن الوطن تجد أنّ الكثير من المواقف التي تصف الواقع المعاش من حيث المستوى الذي وصلنا إليه في ضعف الإنتاجية على مستوى شامل في الخدمات التي تقدم للمواطن في مختلف المجالات "التعليم، الصحة، الإسكان، المواصلات، الاتصالات، المياه والكهرباء، الخدمات التجارية والإدارية"، والترهل في جودة ونوعية المستوى الإداري في المؤسسات العامة، وإخفاق كبير في بعض المشاريع، وعبث بالممتلكات العامة وتحويلها إلى ممتلكات خاصة، وضياع المعيارية في اتخاذ القرار وتأثره بعوامل خارجية، يعطي انطباعا بأنّ هناك إشكالية كبيرة تتعلق بالذات، ومدى مقدرة الفرد على ضبط سلوكه وفقا للأنظمة والقوانين التي تمت صياغتها من أجل تسيير المنظومة العملية في كافة جوانب الحياة.
لذا نجد أنفسنا اليوم بأننا بحاجة إلى إعادة البناء والتركيز على التغير الإيجابي في بناء الذات الفردية، وتطوير تفكير الفرد بحيث يعي معنى الدور الذي يقوم به ومدى تأثيره على تقدم وتطور المجتمع، انطلاقا من أهمية وقيمة بناء المجتمعات المتقدمة، والتي يحكم عليها من خلال مقدرة شعوبها على الانضباط في السلوكيات والتصرفات سواء في المؤسسة والمنظمة التي يعمل بها، أو السلوكيات التي تتعلق بالمشاركة الاجتماعية، وضعف هذه السلوكيات مؤشراً على غياب الانتماء الوطني، والإيمان الديني، وفقدان دور الضمير الذاتي.
وقراءة الواقع التي نعايشه نجد الكثير من الظواهر التي تؤكد على غياب هذه المحددات الداخلية التي تؤثر على الفرد، حيث إنّ هناك اتفاقا مجتمعيا على أنّ أقوى المصطلحات التي من خلالها تستطيع اجتياز كل المعايير، وتحقيق أمنياتك وأحلامك الصعبة، والوصول إلى الغايات والوظائف والترقيات، والاستثناءات، "جاي من طرف فلان"، "أنا ابن فلان"، "مشي الموضوع"، "قهوتك جاهزة"، هذا بغية تحقيق الرغبة في الوصول إلى مستويات لا تتوافق مع إمكانياتك، أو شهاداتك العلمية، أو تمرير معاملة مخالفة للقوانين والأنظمة أو الحصول المناقصات والمشاريع التنافسية وفقا للمعايير الخاصة، أو التقليل من الاشتراطات والمعايير في تنفيذ المشاريع الخدمية، كل ذلك من منطلق العلاقات الاجتماعية والمصالح الشخصية. ويعتقد من يقوم بذلك أن الغاية هي إرضاء الآخر، مقابل الحصول على عوائد قد تكون مصالح شخصية، أو بناء على العلاقات الاجتماعية، أو التوصيات التي تأتي من الآخرين، دون إعطاء الوطن أي اعتبار، أو تقييم لذلك القرار والنتائج المترتبة عليه، ولكن الدائرة الوقتية التي تقوم عليها مبدأ الحياة لا تترك شيئا دون أن تكشف حقيقته، لذا لا ريب أن نرى العديد من الإشكاليات اليوم في مختلف المجالات، فهل هذا ما نبتغيه لهذا الوطن؟
هناك الكثير من الأدلة على أن مستوى الالتزام بالمعايير والأنظمة في كل ما يتعلق باتخاذ القرار يأتي متأثراً بالعديد من العوامل الخارجية مما يعيق مرحلة النمو والتطور الاقتصادي بالبلد، ويؤثر على عملية التنمية، وتقديم خدمات ضعيفة الجودة، مما يمثل خسارة مالية ومعنوية وبشرية في الاستفادة من الكفاءات الوطنية، نتيجة لوصول الأقل في المستوى إلى المراتب العليا مما يشعر الاخرين بالإحباط نتيجة لغياب حقوقهم، ويفقد الوطن خسارة في القوى البشرية المبدعة والمبتكرة.
كل ذلك يأتي من منظور غياب الكثير من المحددات التي تضبط السلوكيات والتصرفات المرتبطة بالأداء الوظيفي ومدى المقدرة على التحكم في القرارات بناء على الأنظمة والقوانين، أو العكس من ذلك، حيث إن غياب الإيمان والوازع الديني لدى الفرد يغيب الكثير من المحددات؛ لأنّ مبدأ الخوف من العقاب هو أحد الحوافز التي تدفع الآخر لمخالفة الأنظمة، إلى جانب ضعف الروح والحس الوطني تُعد من العوامل التي تسهم في سيادة القرار السلبي، مما يسهم كذلك في انتشاره كظاهرة تعبر عن مستوى التخلف الفكري والديني والوطني لدى الفرد، ليس هذا فحسب بل انتشار ذلك مؤثر على ثقة الآخرين سواء كان في مجالات الاستثمار الدولي أو بناء العلاقات الشخصية، مما يؤثر على سمعة ومكانة الوطن، ويصبح المواطن ذا مكانة دونية لأنّه قبل بتلك الصفات والممارسات بحق وطنه.
لذا يبحث الفرد عن ضميره الغائب ليجد ضالته فيه، ولا يعلم أنّ الضمير بلا هويّة ولا وطن ولا دين ولا أرض يمكن أن يلجأ إليه عندما يكون مذنباً بحق الوطن، فمثل هذه الشخصيات لا يهمها إلا إشباع ذاتها وملء جيوبها، فهي لا ترى إلا مدى رغبتها في تحقيق أهدافها ومصالحها الخاصة، فهي أشجار لا ثمار لها؛ لأنها تخلف الرماد الذي يتصاعد منه ذلك الدخان المتلاشي في الهواء بلا أثر يبقى عنه.