ساعدوهم ليقرأوا..!

هلال بن سالم الزيدي

يعد بناء الطفل أحد الأعمدة التي تُشكل المجتمع في نواته الأولى، لذا فمن المهم جدا أن يعي الجميع مسألة تشكيل هذه اللبنة حسب ما تتوفر من إمكانيات من أجل أن يجد هذا الطفل طريقا ممهدا يستطيع أن يُنمّي قدراته وكفاءاتها، وبدور مجتمعنا فإن مختلف المؤسسات التعليمية فيه تهتم بالنشء عبر جهود متنوعة بين التعليم العام والخاص، وذلك حتى نستطيع أن نقدم العناية الفائقة بالأجيال التي تنمو بشكل متسارع وفق المتغيرات المفروضة علينا، وبالتالي فمن الضرورة مواكبتها واستخدام ما يتناسب وخصوصية مجتمعنا.

يعاني الكثير من الأطفال من صعوبة التعلم، وبحسب الكثير من المختصين فإن هناك تزايدا في نسبة هؤلاء الأطفال، ولا سيما أن مشكلة عدم استطاعة الطفل القراءة وتفكيك الحروف لتكون كلمات أو جملة تعد من القضايا التي تؤرق المجتمع عامة والأسرة بشكل خاص، إذا أصبح العديد من الأطفال عالة في قاعة الصف في كثير من المدارس المكتظة بالطلاب، كون طبيعتهم السسيولوجية تحتاج إلى عناية فائقة وخاصة في تجميع شتاتهم، ولضيق وقت المدرسة فإنّ المُعلم أو المعلمة لا يمكنهم التركيز على الجزء وترك الكل، لذلك فقد اهتم الكثير من رواد الأعمال بتبني مشروعات تدريبية تساهم في إعطاء بعض هؤلاء الأطفال أهميّة عبر دورات تدريبية متخصصة، وهذا أحد مجالات تكافل المجتمع مع مختلف فئاته.

إنّ خروج الطفل من أجواء البيت والدلال الذي يكنه له أفراد أسرته ما يلبث أن يزول ويختفي عندما يدخل في عالم المدرسة، فكثير من المعطيات لديه تتحول إلى صعوبات فيما بعد، كونه لم يجد من يقدم له ما يحتاجه بطريقة مباشرة، وهذا يعتبر من الأسس التي يتكّون عليها الطفل ليتحول من مستهلك مدلل إلى منتج مشارك عبر طرح ما يحتاجه لأناس غرباء عليه، لذلك مع اختلاف منهجيات التعامل مع هذه الفئة في المؤسسات التعليمية فإنّ هناك تفاوتا كبيرا في كيفية تأسيس هذه اللبنة، وإيجاد الحوافز لها حتى تستطيع تشغيل مجساتها بحسب عطاء البيئة، وبالتأكيد فإن المعلم/ المعلمة هم القدوة التي سيأخذ منهم العلم، لذلك فمن الضروري فهم هذه التكوينات وكيفية التعامل معها، وكيفية توصيل المعلومة إليهم لتكون مقبولة ويستطيع الاستفادة منها في حياته اليومية بين أسرته وأصدقائه.

تعتبر القراءة المغذي الرئيس للإنسان في مختلف فئاته، فكلما كان اطلاعه وفيرا كلما استطاع أن يواجه العالم من حوله، لذا فإنّ تعلم القراءة للطفل هي إحدى الصعوبات التي يعاني منها مجتمعنا بشكل عام، لذا فالكثير من الأسر تتحسس من وضعية أطفالها في هذا الجانب، فتعيش بين خجل من إعلان المشكلة حتى يمكن للمختصين وضع الحلول لها، لتتراكم فيما بعد الصعوبات، وتضيع فرصة التعليم أمام الطفل كونه لا يعرف ما يدور حوله، فيشبّ ليصل إلى مرحلة عمرية لا تتناسب مع مستواه التعليمي، فننتج جيلا لا يستطيع أن يواجه متطلباته، فيكون بالتالي عرضة للأفكار الهدّامة التي تضر بالمجتمع فيكون عالة وخطرا على العالم أجمع.

إنّ الاعتراف بقضية صعوبة التعلم هي أحد بوادر حل المشكلة، وبالتالي فإنه من المهم تشخيص الحالات بطريقة صحيحة وفق مناهج علمية متخصصة، وذلك حتى نتمكن من معالجة التحديات قبل استفحالها وتتحول إلى قضايا ملازمة للطفل، لذلك فوضع الطرق العلاجية لمن يعاني من صعوبة القراءة يحتاج إلى برنامج وطني، لا يبُنى على اجتهادات فردية أو مؤسسات خاصة لها نظرة تجارية، وربما هذا لا ينطبق على الكل، وإنما هناك مؤسسات اجتهدت بقدر ما لديها من إمكانيات ووضعت برامج مبتدئة حققت نتائج لا بأس بها، لكن ما هو مرجو من المؤسسات الرسمية أكبر تجاه هذه الفئة، لأنّ العبء الذي ستشكله مستقبلا سيكون كبيرا إذا ما عولجت المشكلة من بداياتها.

ومن مبدأ الشيء بالشيء يذكر فإنّ ما يقوم به الكثير من المختصين في الحقل الأكاديمي في قطاع التعليم يحتاج إلى وقفة ومراجعة واهتمام، فهناك من شخّص المشكلة ووضعها في إطار البحث والدراسة إلا أن أخذ الجهات المختصة بها كان شحيحا أو خجولا، وهنا أشير إلى ما يقدمه الدكتور سيف المعمري في كثير من أطروحاته التي تشكل عمقا في التحليل فيما يخص قطاع التعليم، لذلك فقد أوضح في مقاله الأخير بعنوان"لأننا لا نقرأ جيدا...لن نكون ديمقراطيين": أنَّ وضع صندوق في مُجتمعات غير مُتعلمة يشبه وضع قنبلة في يد طفل" وفي عموم القول فإنّ القراءة هي من تشكل الديمقراطية في إطارها الحقيقي، وتنتج مجتمعا قادرا على التفريق بين الصالح والطالح، وبالتالي يكون معبرا عن رأيه بكل ثقة نظير إطلاعه ومعرفته.

همسة..

شكرًا لأولئك الذين يبتكرون ويكتبون لكي يقرأ الآخرون.. وشكرًا لمؤسسة إبداع بلا حدود للتدريب التي تمد جسور المعرفة إلى المجتمع.. وشكرًا لصاحبتها بشرى الحراصية على تبنيها مشروعات القراءة المُيسّرة التي أسسها الأستاذ أحمد العذالي.. وشكرا لكل أسرة تساعد طفلها على القراءة.

[email protected]