أمريكا والعالم.. بين الراحل والقادم فارق كبير

 

حمد العلوي

لقد أتت مؤسسات الحكم في أمريكا بالرئيس الـ 44 "بارك حسين أوباما" لقيادة مرحلة في الرئاسة الأمريكية لمدة ثماني سنوات، بمشروع مكمل لمشروع الرئيس 43 "بوش الابن" الذي نفذ مشروعه بقعقعة السلاح، وكانت طريقة مزعجة ومؤلمة في آن واحد، ولكن إذا رأيت البرق يظل لديك وقت لتجعل أصابعك في أذنيك حذر الصواعق، ولكن إذا أتتك أم أربعة وأربعين، وتسللت إلى قوقعة أذنك خلسة فإنّها لا تخرج دون أن تصيبك بالضرر، فهكذا كان نسق مشروع الرئيس رقم (44) فلا تكاد ترى الأذى بأم عينيك، ولكنه واقع عليك لا محالة، حيث استعاض عن قعقعة السلاح التي جربت من قبل وقد رافقها الكثير من الخسائر، لذلك أُطلق على مشروعه الفتاك ذلك، بـ (القوة الناعمة) أي أنّها تأتي على الشيء فتجعله كالدقيق، الذي أمعن فيه الطحن بتأنٍ ورويّة، فيسهل بعدئذ تطايره من تلقاء نفسه.

لذلك أتبع الرئيس 44 أسلوب التسخين البطيء، لكنه كان الأكثر أذى وإيلاماً، لأنّه يأتي كمرض السكري الخبيث، الذي يؤذي بفاعلية دون ألم ظاهري على الجسم، فهكذا كان عهد الرئيس (بارك حسين أوباما) فانطبق عليه قول الشاعر:(وظلم ذوي القربى أشد مضاضة *على المرء من وقع السهام المهند) فنحن المسلمين بيننا وإيّاه عن طريق والده صلة القربى في الدين، إذن قد أتى ابن أوباما إلى الحكم، وذلك في بلد ما زال يُكرّس العنصرية، أكان ذلك في العرق أو الدين أو اللون، إذن فقد أتى إلى الحكم وهو مُحمّل بثقل الوظيفة الرئاسية، وثقل معنوي أكبر من أي رئيس أبيض وبغير أصول إسلاميّة، فكان عليه أولاً التبرؤ من تهمة الإسلام، ذلك المنسوب إليه من والده المسلم (حسين أوباما) الكيني الجنسية، وكذلك خوفه من النظرة العنصريّة في اللون، وهو ابن مهاجر جديد، فإذا كان لوثر كنج أمريكي المولد لم يُتقبّل؛ فهو من باب أولى لن يكون مقبولا، ومعاب كذلك بدين والده، وهو وإن أعلن انسلاخه منه، إلا أنّ التهمة ظلّت تلاحقه، على الأقل من قبل اليهود، الذين أصبح إرضاؤهم واجبا على كل ذي منصب.

فإذا نظرنا إلى الآتي إلى البيت الأبيض، ويحمل الرقم 45 بين سلسلة رؤساء أمريكا، فقد جاز لنا ضربه في الرقم 2 لكي نحصل على نتيجة انحراف بمقدار 90 درجة، وهو الفارق عن مسار الرئيسين السابقين، والرئيس ترامب لا يخفي انتقاده لهما، والرئيس ترامب الذي أجمع معظم المحللين على أنّه غامض، وغير معروفة وجهته الحقيقية، ولكنه، وكما فاجأ معظم المحللين بفوزه بالرئاسة، فإن هذا الفوز يزيد في عمق الغموض، وبما أنني كنت واحدا من القلة القليلة الذين تصوروا مجيئه للرئاسة، فقد ظللت أجزم بفوزه على الأقل في تغريداتي على تويتر، فأهمل الكثير من المغردين التعليق على ما أقول، على أنه شيء من الهذيان، وأنا بالطبع لست بالمحلل البارع، ولا بالمنجم الثاقب في كشف الغمة، ولكنني بدأت أتابع الانتخابات الأمريكية مع بداية انتخاب بوش الابن، والذي لم يفز في الوهلة الأولى، ولكن بعد استمرار الفرز اليدوي لمدة شهرين تقريباً، ثم أعلن تنصيبه رئيساً بفارق بسيط، وواجه نفس المشكلة في الإعادة لفترة ثانية، وهكذا دوليك تمّ مع أوباما، إذن كان فوز هيلاري كلينتون يعد مستحيلاً، لأنّه سيكون امتدادا مكررا لحكم أوباما، ولأنّ الانعطافة الأمريكية الجديدة، تحتاج إلى رئيس مختلف ومن نوع خاص، فكان انتخاب دونالد ترامب رئيساً جديداً.

لكن لماذا كان الرئيس أوباما أسوأ الإثنين بالنسبة للشرق الأوسط؟! فالسبب واضح جداً للمتابع السياسي، نعم لقد كان أوباما الأسوأ لسببين، وهما، الأول شخصي لأنّه يتعلق بشخصيّة أوباما، فهو أول رئيس أسود في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية، فلا يريد أن يخرج مهزوماً بسبب العرق أو اللون أو الدين، والإضافة الأقوى في المشكلة، إنّه ابن لأب مهاجر لم يحمل الجنسية الأمريكية، والأخطر أنّه (مسلم) أمّا السبب الثاني فهو، شخصي أيضاً ولكن بدرجة أقل، وهو وظيفي في الأصل، لأنه وبسبب نسبه فهو الوحيد الذي يستطيع خداع المسلمين، والعرب العاطفيين بسهولة ويُسر، ويأكل بعقلهم حلاوة كما يقول المثل المصري، لذلك مرر فكرة نشأة الدواعش بسهولة، وبلباقة الممثل المحترف، إذن استطاع أن يقوم بدور (كلب الصيد) الذي يقوم بمهمة مزدوجة، ألا وهي، اطعام نفسه، وإرضاء صاحبه، لذلك سيكون عهد ترامب مختلفاً عنه، لأنه يمثل دور صاحب كلب الصيد، فهو الكاسب في كل الظروف والأحوال.

أما الفارق الذي ينظر إليه الرئيس ترامب، والذي يَعدْ بأن تكون أمريكا أولاً، فهو يقول ذلك، وعينه على اقتصاد بلده، الذي لم يعد اقتصاداً عملاقاً، كما كان قبل 27 عاماً، وذلك نتيجة لاستنزافه في محاربة الإرهاب، الذي قال عنه الراحل "هيكل" إنّه مشروع لمحارة شيء مجهول، فهو أولاً بلا حدود، وثانياً هو تعريف مطاط يصعب قياسه، إذن ترامب الذي سيعكف على إعادة ملء الخزينة بالمال، لا يهمه أي نوع من المال، وإنما يريد أن يرى المال وقد عاد إلى بيت الطاعة الأمريكي، فهو المال الذي يسود في تعاملاته مع العالم، ولأن العرق دساس كما يقال، فربما ركّز النظر على ثقب (القربة) الذي تتدفق منه الأموال بصورة مهولة، فحتما ستقع عينه على هذه الثغرة المهولة، فإذا حاول سدها بالطريقة الهتلرية، حق له ذلك لأن الدم الجرمني ما زال يسري في عروقه.

وقد تدعمه نصيحة الرئيس لينكولن الذي قال قبل 200 عام مضت، مقولته الشهيرة عندما أوصى الأمريكيين بعدم تمكين اليهود من مفاصل الدولة الأمريكية، وإلا أصبح الأمريكان عبيدًا لهم، وهم قد بلغوا هذه المرحلة من فترة طويلة جداً، وربما حاول ترامب هذا الذي يبدي اليوم حنيّة على إسرائيل مبالغا فيها، فربما قام هو بلجم إسرائيل، أو حتى السعي لفطمها، مدفوعاً بقوة شخصيته البرغماتية، وكذلك تعهده بأن تكون أمريكا أولاً، وممعن النظر في الأمور اليوم، يرى إن إسرائيل أولاً، وأمريكا ثانياً في الاهتمام المسؤول الأمريكي، وهذا يخالف عقيدته التي أعلن عنها يوم تنصيبه رئيساً، وهناك كره شعبي واسع لرئاسته، وهو إذا فعل ما يغير الكره عنه، وقام بإرضاء الشعب وإشباعه، فعندئذ سيوقف نزيف الخزانة الأمريكية بلا جدوى، وليس هذا فحسب، فإنّ معظم الحروب الأخيرة كانت لحماية إسرائيل، أو لتمكينها من التوسع ضد جيرانها، ووقف الحروب الخارجية التي تكلف الخزانة أموالا طائلة، وكذلك وقف الدعم بالمال والسلاح لإسرائيل، حتماً ستكون أمريكا هي الرابح الأكبر، وسينعم الرئيس ترامب بمحبة الشعب والعرب منهم بالطبع.

إذن لعل صاحب الصفقات الناجحة، يوفق في صفقة عظيمة يعقدها مع تاريخ أمريكا الحديث، فيحولها من عصر العداوة للعرب، إلى عصر الصداقة والاحترام، وهو الكاسب دوما رغم العداوة لهم، ولكن المكسب سيكون أكبر وأكثر دواما في زمن الاحترام، والإسرائيليون الذين فشلوا في العلاقة مع خالقهم، ستظل عداوتهم للناس جميعاً مستمرة حتى تقوم الساعة، فالرئيس ترامب صاحب مصالح وصفقات، فلا أظنه سيُخطئ في تقدير الأمور تقديراً موضوعياً وواقعياً، فإذا أحدث انعطافة بزاوية 90 درجة، بحيث ينطلق إلى الكون الفسيح، ولا يركز على نقطة صغيرة وهي (إسرائيل) التي تأخذ ولا تعطي شيئاً في المقابل، فعلى العموم سيظل العرب الضامن الأكبر لاقتصاد أمريكا، وإسرائيل الناهب الأكبر له بلا منازع، وإذا كان الأمريكان يعتبرون إسرائيل قاعدة متقدمة لهم، فالعرب (حكمة منهم) قد أعطوا الأمريكان أكثر من قاعدة مدفوعة الثمن.

 

Safeway.om@gmail.com