بين ترامب والقذافي وجامع

 

 

 

مسعود الحمداني

 

يذكّرني الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتصريحاته النارية، بالراحل معمر القذافي الذي لم يكن لأحد أن يتوقع خطوته التالية، وعاش ومات على تصريحات أغلبها كانت فاكهة المجالس، وحكم ليبيا أكثر من أربعين عاما تحت مظلة (الشعارات)، وقُتل وهو يردد سؤاله الشهير: (من أنتم؟!!) رغم أنّ العالم طيلة سنوات حكمه لم يكن يعرف من هو القذافي أصلا!

(ترامب) هو الآخر عاشق للتصريحات غير المتوقعة، في دولة تتحكم في مفاصل العالم، وتفصّل مصائره، وهو مغاير ومغامر إلى حد لا يصدّق، ولكنه قادر على تنفيذ ما يصرّح به، لأن بيده الوسائل التي يستطيع من خلالها عمل ما يلزم، والوقت لديه ضيّق، لا يتجاوز الأربع أو الثمان سنوات على أكثر تقدير.. وبعد ذلك سيحزم حقائبه عائدا إلى منزله وشركاته التي تخلى عنها عند وصوله إلى سدّة الرئاسة.. هكذا بكل بساطة، ودون أن تزيد ثروته بعدة مليارات في دولة غنية بالثروات، كما يفعل مسؤولو بعض الدول (الفقيرة) الذين يدخلون الحكومة حفاة عراة ويغادرونها وهم يملكون ثروات لا تغيب عنها الشمس.

الشعب الأمريكي والعالم الذي لا تعجبه سياسات (ترامب) سوف يحبس أنفاسه، ويمارس سياسة النفس الطويل لسنوات معلومة، حتى تنقشع الغمّة عن الأمّة، انتظارا لرئيس أمريكي جديد يحمل أفكارا وسياسات مختلفة، لذلك فلا خوف على الكرة الأرضية من رئيس منتخب في نظام ديمقراطي متين.

(2)

في الجزء الآخر من الكرة الأرضية هناك في المقابل أنظمة (ديموقراطية)، ولكنها تختلف عن معايير الديموقراطية العالمية ومفهوم (تداول السلطة) المتعارف عليه، فالأنظمة في القارة الإفريقية، كما في معظم الدول العربية هي أنظمة (جمهورية بالاسم)، غير أنّ الفرق بينها وبين النظام الجمهوري الحقيقي بُعد المشرقين والمغربين، فالرئيس في معظم هذه الدول يأتي إلى الحكم على دبابة، ويغادره في جنازة (مهيبة)، ليخلفه إما أحد أولاده، أو سياسيّ من نفس حزبه الذي لا يوجد غيره في البلاد!!.. وهذا ما يسمى في أعراف هذا الدول بنظام الحكم (الجمهوري الوراثي)!!.

(3)

في نفس فترة تنصيب دونالد ترامب على سدّة الرئاسة الأمريكية كان في الطرف الآخر حاكم (مسلم) في دولة إفريقية فقيرة هي (غامبيا) اسمه (يحيى جامع) يعلن عن عدم تخليه عن السلطة التي وصل إليها منذ اثنين وعشرين عاما (فقط) عبر انقلاب عسكري.. (يعني ذلك أنّه مرّ على الرئيس الأفريقي أربعة رؤساء أمريكيين تداولوا السلطة وسلّموها بطيب نفس بعد انتخابهم مرتين، وكان من المفترض أن يكونوا ثمانية رؤساء في حالة عدم انتخابهم لفترتين رئاسيتين) !!..

كانت حجة الرئيس يحيى جامع أنّ الانتخابات الرئاسية في بلاده لم تكن (نزيهة)، وهذا أمر غريب، فالعادة أن من يتهم الانتخابات بعدم النزاهة هي المعارضة وليس الحاكم!!. عموما تخلّى جامع عن السلطة رغم أنفه بعد تهديد دول أفريقية أخرى بالتدخل العسكري لإنزاله من الكرسي بالقوة.. و(تنازل) عن عشقه السلطوي تجنبا (لإراقة الدماء)!!

الغريب أنّ لغة (ترامب) القاسية والعنيفة والفجة للترويج لأفكاره السياسية، كانت تقابلها لغة لينة (رومانسية) وردية لجامع تتحدث عن احترام حقوق الإنسان والثوابت الوطنية لمواطني غامبيا!!. ربما لأنّ ترامب لم يكن بحاجة لتملق المواطن الأمريكي الذي سيحاسبه على كل تصرف، بينما يحتاج جامع للتغنّي بالشعارات علّها تبقي له الكرسي المفقود..

 وفي النهاية دخل ترامب من باب الديموقراطية المفتوح، وخرج (جامع) من باب الشعارات البراقة التي لم تبنِ يوما وطنا، ولم تُعمّر حجرا.

 

 

Samawat2004@live.com