أحلام بلا حدود

 

مدرين المكتومية

 

وأنا طفلة كان أبي يربت على كتفي باستمرار.. ولا أنسى أبدًا قبلاته التي كان يمطر بيها جبيني بكل حب وأبوّة حانية، كنت ألمح في عينيه بريق أحلام وآمال عراض يضعها عليّ، في انتظار أن أشُبّ عن الطوق وأحقق تلك الآمال..

عبر رحلة السنين؛ كبرت تلك الطفلة بداخلي، كبرت معا بالتوازي تلك الأحلام، وكذلك محبة والدي.. لكم تمنيت أن يهبني الله تعالى فتى أحلام شبيها بأبي، وُمنى العمر أن يكون نسخةً منه، وذلك لما فيه من صفات أُحبها لدرجة أنّ والدي أصبح بالنسبة لي معيارًا أقيس عليه صفات واخلاق كل من هم حولي حاليا أو مستقبلا.. كيف لا أكون كذلك والمثل يقول "كل فتاة بأبيها معجبة"..

بين هذا وذاك أيقنت تماما أنّ والدي كان لديه حلم جميل أزرق اللون ممزوج بلوني الوردي المفضل وهو أن أكون تلك الفتاة التي يتمناها أي أب.. لم يتذمّر يوما على أنّ مولودته الأولى -أنا- كأنت أنثى؛ وليس الذكر كالأنثى، ولكن أعلم يقينا أنّه فخور بي اليوم على الأقل إن لم يكن الأمس، ويكفي أن أحقق له كل ما يدور في خلده تجاهي ليكون فعلا مفاخرا بي بين المجتمع وأقرانه.

كبر الحلم الذي أصبح تحديا.. وكلما دنوت منه مسافة يبتعد عني مسافات، فيتخللني الإحباط عندها لا أجد مكانا دافئا سوى أبي أحكي له وأقص عليه ما يزعجني، وأخبره بفشلي في الوصول في كثير من الأحيان، وبابتسامته السحرية وكلماته العقلانية لا يستغرق الأمر سوى جلسة صغيرة يعيد بها الأمل ويبث في داخلي الحماس بألا مستحيل تحت نور الشمس، لأشمر عن ساعدي مرة أخرى وأقبل التحدي لأنّ أصل لحلمي دون الوقوف على أي عثرة قد تهدد تحقيقه.

ولا أخفى عليكم ففي كثير من الأيام ينتابني ذلك الشعور الغريب الذي أفقد فيه قواي كاملة بحيث أكون في حالة من الإحباط واليأس التي سرعان ما أقرر خلالها أن أكون أنا كما أنا وأترك حلمي خلفي الذي رفض مرارا وتكرارا أن يتحقق وكأنه هو الآخر في تحدٍ بألا يترك لي مجالا للحاق به؛ على الرغم من أنّ أحلامي صغيرة ومحدودة إلا أنّها لازالت ضيفة منامي تسكن عقلي وتعيش في مسائي، فجمالها يغريني بالنوم، وروعتها تغريني بمواصلة الرحلة فيها كل ليلة على أمل الوصول؛ فكأنني في قارب صغير ابتعد كثيرا عن الشاطئ حتى ضاع في عرض البحر، فهناك رياح عاتية وأمواج متلاطمة تعصف به في كل مساء إلا أنّه يظل متماسكا ليصل لميناء السلام الذي ينشده.

ولأنني أحب جدا ذلك الحلم الجميل، أحبه كثيرا على الرغم من أنّه ليس فتى أحلامي ولكنّه حلمي الرائع الذي تتخلله العديد من الطموحات الجميلة مغلفة بدعوات الوالدين والأصدقاء والأصحاب على أن نكون في أعلى المراتب وعلى أن يظل القدر فاردا لنا جناحيه بكل حب، محققا لنا ولو بعد حين ما نتمناه ونحلم به، فالحلم الجميل يحتاج لصبر أجمل والصبر يحتاج لوقت وزمن أطول بكثير مما نتوقع، ولكنه في قادم الوقت سيحصل وسنعيش فرحة تحقيقه، وسيظل والدي سعيد بي دائما وأبدا، وسأكون ورقته الرابحة طوال حياته.

 

madreen@alroya.info