الشفافية.. لتصحيح مسار التعليم

 

 

هلال الزيدي

تداولتْ وسائل الإعلام في الفترة الأخيرة -لا سيما منصات التواصل الاجتماعي- اعترافات مدير عام مجلس التعليم في إمارة أبوظبي برسوب 85% من طلاب مدارس أبو ظبي؛ حيث أشار التصريح علناً إلى هذه النسبة الخطيرة جدًّا وعدها مُؤشرا يجب الاعتراف به لمعالجة القضية؛ كونها تمثل مسارَ جيل يحتاج إلى التقويم، ووضع المشكلة محل النقاش انتهاجا للشفافية، وهذا بحد ذاته يحمل رسائل مباشرة وغير مباشرة لكثير من المجتمعات.

فمن حيث المبدأ؛ علينا الاعتراف بالخطأ في حال وقوعه والابتعاد عن ذر الرماد في العيون والمكابرة على أننا نجحنا في مسيرة التعليم؛ لأنَّ قطاع التعليم هو البذرة الأساسية لقيام الحضارات، وعليه تُبنى المجتمعات لمواجهة مُتغيِّرات الحياة؛ وبالتالي من الضروري جدًّا أن لا تكون جهات الاختصاص في واد والواقع في واد آخر، مع التجاهل المفرط للأصوات التي تنادي بضرورة إصلاح البيئة التعليمية من جذورها؛ لأنها لم تنتج ما هو مُتوقع منها؛ فكثيرٌ من الدراسات وكثير من المختصين نادوا بأعلى صوتهم بأن انحراف قطاع التعليم عن مساره سيؤدي إلى خلخلة التركيبة السكانية من حيث منح المجتمع حقه في التعليم، ولعل المناهج الدراسية  هي مربط الفرس الذي يجب الوقوف عليه حتى لا تكون كالوعاء الذي يتناوله الطالب ومن ثم يفرغه في كراسة الاختبار.

إنَّ ما شدَّني حقا في ذلك التصريح هو تقاسم المسؤولية بين مختلف أقطاب العملية التربوية؛ حيث بدأت بالرأس ووضعت الطالب في وسط المعادلة، ومن ثم المناهج والأسرة والمعلم، فالاستغراب يكمن في عدم توجيه أصابع  الاتهام إلى المعلم فقط كحال كثير من الدول، لا سيما لدينا هنا؛ حيث يُوْضَع المعلم في قفص الاتهام بشكل مباشر وبطريقة مبالغ فيها؛ وبتقاسم المسؤولية وتوزيعها بحسب أدوارها يكون أول خيط من خيوط البحث عن الحلول.

إنَّ التنبه لما تقوم به المؤسسات الأكاديمية والبحثية في قطاع التعليم من دراسات وبحوث هو الفيصل الذي يقودنا إلى معرفة ماذا نريد من المدرسة؟ وكيف نستطيع أن نوجد تعليما متميزا في كافة أبعاده الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية؟ فكم من دراسات أُجريت ووضعت يدها على الجرح وأوضحت السلبيات، إلا أنها صُفِّدت وقُطِّعت أوصارها لتركن في أدراج اللاعودة، وهذا يعد خسارة كبيرة لأننا لا نعطي هذه الدراسات حقها في واقع العمل.  

إنَّ التسلُّح بالكفاءة والقدرة والمهارة أسس مهمة في كل قطاع، لذلك وحتى نحقق هذه الأسس من بوابة التعليم، علينا أن نُوْكِل الأمور إلى من يُقدِّر قيمتها،  مع ضرورة تخفيف  العبء الكبير الذي ألصق بالمعلم في كل شاردة وواردة، وهذا يدفعنا للاعتراف بأننا لم نحسن تخريج معلمين قادرين على مواجهة متطلبات قطاع التعليم؛ فكثرة المهام الموكلة للمعلم جعلته مشتتا؛ فهو المعلم والطبيب النفسي والإخصائي الاجتماعي والإداري..إلخ؛ لذلك أصبح المحور الأول والأخير الذي يُقاس عليه الإخفاق دون إشراكه في رسم أطر هذه العملية، وطبعا مع التأكيد على عدم قيام الجهة المختصة بتنمية المعلم فكريا ومهنيا من حيث البرامج التدريبية إلا نادراً.

أنا هنا لا أكيل الاتهامات أو أنتهج التوجه التنظيري، بقدر ما أنَّني أجتهد في التنبيه لبعض القضايا؛ انطلاقا من شهادات من هُم في الحقل التربوي، وهذه رسالة إعلامية نتمنى الأخذ بها، لذلك تتبادر إلى ذهني عدة أسئلة: كيف يمكن أن نوجه التعليم لخدمة التنمية الشاملة في البلاد مع عدم اعترافنا بالخلل؟ وكيف يمكننا تخريج طلاب يمتلكون الكفاءة في ترجمة ما تعلموه لمصلحة المجتمع؟ وهل نستطيع حقاً الاعتراف بالإخفاق وتقييم التعليم بشفافية نبحث من خلالها عن حل جذري؟ وهل حقا هناك تقدير من المجتمع للمعلم من حيث المهنة، أم أنها وظيفة كالوظائف الأخرى؟ وهل نحن بحاجة لرسم خارطة طريق واقعية تؤسس هيبة التعليم والمعلم؟ حقا نحن بحاجة لبرامج علاجية لمنظومة التعليم ليخرج الطالب متسلحلا بالكفاءة المطلوبة لمواصلة مشواره الدراسي.

إنَّ من الأهمية بمكان أن تكون وزارة التربية والتعليم جادة في تصحيح الأخطاء من حيث شفافيتها في طرح الصعوبات التي تعترض القطاع التعليمي؛ حتى تستطيع أن تتصالح مع المجتمع؛ لأنَّ التعليم هو المقود الذي يحقق النجاحات للقطاعات الأخرى، فبالأمس بدأ 48662 طالبا وطالبة امتحانات دبلوم التعليم العام وما في مستواه في 346 مركزاً؛ لذا من الضروري أن يضع كل طالب نُصب عينيه إستراتيجية متزنة تشترك فيها كل أقطاب العملية التربوية لتحقيق النجاح، مع ضرورة الاستفادة من الآخرين في كيفية وضع أطر واضحة للتقييم من أجل بناء الوطن.

-----------------------------

همسة:

"لا تنصلح حال المجتمعات إلا بإصلاح التعليم؛ فمن أجل نتائج إيجابية علينا أن نعترف بأخطائنا قبل إنجازاتنا".

abuzaidi2007@hotmail.com