تهافت المحبين

وديع اللواتي

الحب، هذه الكلمة القصيرة في حروفها والعميقة في معانيها وآثارها. هي جزء لا يتجزأ من الطبيعة البشرية ومن أساسيات تعاملنا مع كل الموجودات حولنا. هذا الحب المتنوع في أشكاله وألوانه وصوره. فهناك الحب الواجب كحب الله والوالدين وهناك المباح كحب الطعام والشراب والنوم، وهناك المحرم كحب الفواحش والذنوب والمعاصي.

لست بصدد الدخول في تفاصيل هذا الحب فليست مقالتي هذه دينية ولست في موضع التشريع أو التحليل والتحريم فهناك من رجالات الدين من هو متصدٍ لهذه المسؤولية وهم قائمون بدورهم على أحسن ما يكون.

حديثي عن أحد أنواع الحب المنتشرة بكثرة في مجتمعاتنا وبالخصوص فئة الشباب وحب التعصب لشيء معين والدفاع عنه باستماتة كأنه يملكه بل كأنه من أهله وعرضه وماله. أقصد بحديثي حب بعض الأمور مثل الأندية الرياضية والمنتخبات وماركات الهواتف والسيارات وغيرها.

فحين تقوم شركة هاتف معينة بطرح هاتف جديد في السوق، ينبري محبو الهاتف أو الشركة أو نظام التشغيل المستخدم بالتسويق للهاتف والدفاع عنه باستماتة كأنهم هم من شاركوا في صنع الهاتف أو موظفون في تلك الشركة أو شركاء فيها لتحس من كلامهم أنّ هذا الهاتف هو أعجوبة القرن ولا مثيل له ومن ثم يأتي من يستخدم هواتف أخرى من ماركات مختلفة أو أنظمة تشغيل مختلفة بالتقليل من مكانة الهاتف ومهاجمته وإيجاد العيوب فيه وإظهار مواضع الخلل والتقليد مقارنة بالهواتف التي يستخدمونها فتضج قنوات التواصل بهذه المحادثات بل بهذه المهاترات ليل نهار حتى تأخذ منحىً شخصياً وتتسبب في مشاجرات وقطيعة بين الأهل والأصدقاء والأحبة. كل هذا وهم مجرد مستخدمين عاديين لهذه الهواتف ليس إلا.

نفس الحالة تتكرر في أندية ومنتخبات الرياضات وبالخصوص كرة القدم وبالتحديد في المباريات التي تندرج تحت مسمى (الكلاسيكو) أو (الديربي) أو غيرها إذ يقوم كل مشجع بالحديث عن الفريق أو المنتخب كأنّه مدربه ومالكه فيقول (فريقنا) و (مدربنا) و (لاعبنا) وغيرها من المصطلحات في حين أنّ أقصى ما يملكه من النادي هو قميصه وبعض التذكارات والمعلومات التي جمعها عن هذا الفريق.

وقس على هذا حب السيّارات وماركات الأحذية والألبسة والحواسيب وأنظمة التشغيل وغيرها من الأمور التي تتنافس شركات العالم في جذب انتباه المستهلك لها.

الطريف في الأمر أنّ هذه الشركات المصنعة للهواتف والحواسيب وغيرها تستفيد من التنافس وتتعاون فيما بينها للبقاء في السوق وإبقاء التنافس بينها لإبقاء السوق نشطاً وهذه المنتخبات على قدر تنافسها تعتبر منافسيها أصدقاء لها ونأتي نحن المحبون والمشجعون ونختلف ونتشاجر.

ألم يقولوا قديماً: لولا تنوع الأذواق لبارت الأسواق؟ أولسنا بشراً تختلف أذواقنا ونظرتنا للأمور حولنا؟ ألا يمكن أن نختلف بود ومحبة؟

قد يقول قائل، نحن العرب ماهرون في طرح المشاكل بأدق تفاصيلها ولكننا نفتقر لمهارة إيجاد الحل والدليل أنني طرحت المشكلة دون التطرق للحل.

وأقول إنّ الحل لهذه المشكلة على وجهين:

  • من يقول لك أن دمي (مدريدي مثلاً) خذه لأقرب مركز صحي وإعمل له فحص دم لترى أن دمه لا يختلف عن باقي دماء البشر. ومن يقول لك عشقي (أرجنتيني مثلاً) فخذه لأقرب وكالة سيارات رياضية أو فارهة أو لأقرب شاطئ لترى أنّ العشق تغير بقدرة قادر إلى ما سوى الأرجنتين. طبعاً هذا حل أورده من باب الدعابة ليس إلا.
  • الحل الثاني هو أن نعرف أننا بشر نختلف في أذواقنا وأهوائنا وأن الاختلاف بيننا رحمة كما قال رسولنا الأكرم (صلى الله عليه وسلم) ولا شيء يدعو للقطيعة والشجار. لنختلف ولكن برقي. لندافع عما نحب ولكن بعرض محاسن ما نحب دون أي شخصنة أو تهجم ولنعرف أننا مجرد مستهلكين ومشجعين وكون الطرف الثاني يختلف معي في نظرته للأمور فهذا أمر من صميم الطبيعة البشرية ولا يستدعي أي شحناء لأن علاقاتنا تقوم على الحب البشري من القلب للقلب لا على حب هاتف معين أو منتخب معين.

هي دعوة لنا جميعاً لكي نحب بعضنا ونجعل هذا الحب فوق كل اعتبار. هي دعوة للبحث في مكنونات أنفسنا وأساس علاقاتنا مع بعضنا ولنبذ كل ما يدعو للاختلاف والشقاق. لا أقول ألا نشجع ونقتني ما نحب ولكن أقول أنّ الأذواق الشخصية شيء والعلاقات البشرية شيء آخر. والقرار في نهاية المطاف لنا نحن وحدنا.