زاهر المحروقي
عِنْدَما يعطي جلالة السلطان المعظم -حفظه الله- إشارة لفكرة أو مشروع ما، فإن ذلك يُعتبر خطة عمل عريضة يجب تنفيذها وتحويلها إلى واقع؛ لذا كان التوجُّه في الثمانينيات والتسعينيات إلى تخصيص أعوام معينة للاهتمام والتركيز على بعض القطاعات، كجعل عام للشبيبة وآخر للشباب، وكذلك أعوام للصناعة والزراعة والتراث؛ بما يعني أنَّ ذلك كان توجيهاً للحكومة بأنْ تركِّز على تنمية تلك القطاعات كل في مجاله.
وقطاعُ الشباب حظي بتخصيص عامين له، كان الأول عام 1983 عاماً للشبيبة، وبعد 10 سنوات تم تخصيص عام آخر للشباب، باعتبارهم أمل الأمة وعلى سواعدهم سيُبنى الوطن. ويبدو أن ما ذكره سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي مفتي عام السلطنة، من أنَّ سُوء التخطيط وغياب الأمانة في التنفيذ يقفان عقبة أمام أي نجاح، هو كلامٌ واقعي جدًّا ينطبق على كل القطاعات وليس على الجوانب الاقتصادية فقط التي كان يتحدَّث عنها سماحته؛ لذا فإنَّ تلك الأعوام ذهبتْ بمهرجاناتها واحتفالاتها دون أن يتحقِّق الهدفَ المنشود منها؛ لأنَّ اعتقادَ بعض المسؤولين اقتصرَ فقط على إقامة مهرجان وانتهى الأمر.
والحديثُ عن قطاع الشباب يجرنا إلى تناول موضوع مهم، أعطي زخماً إعلاميًّا كبيراً، ثم لحقه صمتٌ تام، وهو موضوع الأوامر السامية بإنشاء أكاديمية السلطان قابوس لتنمية القدرات الرياضية، التي أعلن عنها وزير الشؤون الرياضية السابق؛ وذلك في العام 2009، أي قبل حوالي ثمانية أعوام، والتي استبشر بها الشباب، وأخذ الموضوعُ صفحات كاملة من المسؤولين عن الاتحادات والأندية، مثمنين تلك المكرمة التي لم ترَ النور إلى يومنا هذا، رغم أن تصريح وزير الشؤون الرياضية -حينها- أشار إلى أنَّ وزارته قامت فور التشرف بتلقي الأوامر السامية بالاتصال بعدد من الشركات والمؤسسات الدولية المتخصصة في مجال إعداد الدراسات الاستشارية في هذا المجال، حيث تقدمت أربع مؤسسات دولية بعروضها، وبعد إجراء المفاضلة، اتجهت النية للتعاقد مع إحدى المؤسسات الكندية المتخصصة والتي ستقوم بإيفاد مندوبيها إلى السلطنة خلال الأشهر المقبلة؛ تمهيداً لقيامهم مع مندوبين من الوزارة لعقد لقاءات مع المسؤولين في الاتحادات والأندية الرياضية وبعض المؤسسات الحكومية والخاصة ذات العلاقة. ويجدر بي أنْ أعود إلى ما نُشر عام 2009 عن تفاصيل المشروع؛ إذ جاء في الأخبار: "ستقوم الشركة الكندية بإجراء دراسة استشارية لإنشاء أكاديمية السلطان قابوس لتنمية القدرات الرياضية بدراسة الوضع الرياضي في السلطنة لمدة 6 أشهر كاملة، تتم من خلالها زيارة جميع أندية السلطنة البالغ عددها 43 نادياً، بهدف التعرف أكثر وعن قرب على الأنشطة والفعاليات الرياضية التي تُمارَس فيها، ومن ثم تقوم الشركة بترشيح اللعبات التي سيتم دراستها في الأكاديمية، بعدها سيتم اختيار العناصر الشابة الجيدة التي تتمتع بالإمكانيات الفنية والبدنية للدخول في الأكاديمية؛ حيث لن تقتصر الأكاديمية على تقديم البرامج الرياضية فقط، بل ستشتمل على تقديم دروس تعليمية كاملة للمواهب المختارة حتى لا ينقطعوا عن دراستهم في مدارسهم". أمَّا عن حجم الأكاديمية فقد أشارت التصريحات إلى أنَّ الأكاديمية ستكون أكبر في حجم المساحة والإمكانيات عن مجمع السلطان قابوس الرياضي ببوشر.
قد يُعلِّق البعض بأنَّ هناك نواة أولى لانطلاق الأكاديمية بدأت عام 2013، لكن هل كان يحتاج الأمر إلى ظهور نواة أولى من الأكاديمية بعد الإعلان عنها بأربع سنوات وبأوامر سامية؟!
حقيقةً إنَّ المرء ليحار في فهم كيف تجري الأمور في المؤسسات الرسمية؟ فكيف لعاهل البلاد المعظم أن يُصدر أوامره السامية في الكثير من الأمور، ولا ترى هذه الأمور النور؟ إن الذي أعرفه أن جلالته أعطى أوامره السامية لأناس تم تعيينهم لتسيير الشؤون العامة للدولة، وعندما تمر السنوات ولا ترى تلك المكرمات النور، فهذا يدل على أن هناك خللاً ما، قد يعني ضمن ما يعني أن هؤلاء المسؤولين ليسوا أهلاً لتولي تلك المسؤولية ولا يملكون الإبداع والابتكار، أو أن الأمر كله إنما هو مجرد استعراض إعلامي، يضر بسمعة الحكومة. فليس من المنطقي أبداً أن نقرأ تصريحات للمسؤولين عن مشاريع تقام بأنها ستنتهي في فترة معينة، فإذا السنوات تمر ولا يرى المشروع النور أو أنه قيد التنفيذ، رغم مرور سنوات على مدة الانتهاء المقررة له. ومن يقرأ الصحف المحلية عن المشاريع المقترحة والمدة الزمنية المحددة لانتهائها سوف يرى عجباً، والأفضل أن لا يعود القارئ لأرشيف الصحافة حتى لا يُصدَم.
إنَّ أكاديمية السلطان قابوس لتنمية القدرات الرياضية -وهي فكرة رائدة جدًّا- ليست الفكرة الوحيدة التي لم تر النور، فحالها حال أكاديمية الفنون وغيرها. وإذا لم تخنِّي الذاكرة، فإن الأوامر السامية صدرت في عام 1985، بإنشاء المكتبة الوطنية بمواصفات عالمية، وها نحن بعد 32 سنة ما زلنا نحلم بتلك المكتبة والتي تشكلت بشأنها العديد من اللجان وعُقدت لها الكثير من الاجتماعات، ولا نعلم هل تم إلغاء الفكرة أم لا؟ وما حدث لفكرة المكتبة الوطنية، حصل تماماً لفكرة المجمع الثقافي الذي أراده جلالته أن يكون مجمعاً ثقافيًّا يُشار إليه بالبنان، إلا أنه في رحم الغيب حتى الآن، رغم تعدد الجهات المختصة بالثقافة، كوزارة التراث والثقافة، ووزارة التربية والتعليم، ومركز السلطان قابوس للثقافة والعلوم، والمنتدى الأدبي، والنادي الثقافي...وغيرها، وربما تَعددُ الجهات المسؤولة عن الثقافة هو الذي حال دون ظهور المكتبة الوطنية والمركز الثقافي. كما أن الأوامر السامية كانت قد صدرت عام 2010، بإعداد دراسة لإقامة جسر بحري يربط جزيرة مصيرة باليابسة، وأعلن حينها وزير الاقتصاد الوطني بأن جلالة السلطان المعظم تفضل بتكليف وزارته للقيام بإعداد الدراسة اللازمة واختيار أفضل بيوت الخبرة العالمية في مجال إعداد الدراسات والتصاميم الهندسية التي سيتم على ضوئها اختيار المسار المناسب لإقامة الجسر، وأن الوزارة ستعمل بأسرع ما يمكن لوضع أوامر جلالته موضع التنفيذ؛ ونحن بعد مرور 17 عاماً على الأمر السامي، تغيَّر خلالها الوزراء، فإننا ربما لم نعرف ما معنى كلمة "أسرع ما يمكن" التي يشير إليها دائماً الوزراء. عندما يتم طرح فكرة ما قبل أكثر من 30 عاماً، فإنها بعد مضي هذه المدة تكون قديمة وقد لا تصلح الآن، كما أن الموازنات المرصودة في تلك الفترة لن تكون صالحة أيضاً للوقت الحاضر.
وبما أني لا أملك الإجابة، فأكتفي بطرح الأسئلة فقط، فلعل تكون الإجابة عند البعض. فهل يعاني المسؤولون العمانيون من عجز في الابتكار وفي التنفيذ وفي اتخاذ القرار؟ هل هناك معوقات تمنع تنفيذ الأوامر السامية لهدف لا نعلمه؟ هل هناك فعلاً سوء تخطيط وغياب الأمانة في التنفيذ؟
يلجأ الناس دائماً إلى المقارنة بين المشاريع المطروحة في عُمان وغيرها من المشاريع المُنفذة في دول الجوار وفي العالم؛ لأنَّ الأخبار أصبحتْ في مُتناول الأيدي ولا يمكن تجاهلها -وهي مسألة تغيظني على المستوى الشخصي- ولكن هل نلوم الناس ونتجاهل أسباب المقارنة؟!