في ثرى جوهرة مسقط (5)

القفز إلى البحر للاستحمام

 

 

راشد البلوشي

 

في الثامن من مارس 2010 قطعت الجوهرة أكثر من 100 ميل خلال 24 ساعة عندما كانت الرياح قوية.. الأمر كان مفاجئاً، ظهرَت السفينةَ وكأنها تشقُّ الصخر.. لا تشقُّ الماء!

لم يكن يوماً اعتياديًّا؛ كان حافلاً على متنِ السفينةِ التاريخية!. نعم "التاريخية".. لأنها عملت في العصر الراهن بأدوات الماضي، لم تكن لها مراوح ولا محركات، وإنما ساريةٌ وشراع.. وربَّانٌ يحاولُ التأقلمَ مع ماضيها، لا مع حاضرهِ.

 

في ذلك اليوم العاصف.. تراوحت سرعة الرياح من 15-20 عقدة، ووصلت  إلى أقصى سرعة وهي 6.6 عقدة في فترة ما بعد الظهر. وقد قطعت 105 أميال خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية وهذه أخبار عظيمة.

علاوة على ذلك، هذه الرياح القوية جلبت أمواجاً بارتفاع مترين ما جعل الجوهرة تتمايل بشكل دراماتيكي،. لكن أفراد الطاقم تعاملوا مع الظروف الصعبة بشكل جيد، مع  توخي الحذر الشديد عند تحرك الطاقم على سطح الجوهرة.

عندما تجاوزت سرعة الرياح 16 عقدة طلب القبطان صالح من أفراد الطاقم استبدال الشراع "المزيني" بشراع العاصفة الأصغر حجماً والأكثر أمنًا. وكانت مهمة تغيير الشراع صعبة وسط هذه الأمواج، لكن البحارة كانوا أهلاً لتحدي الصعاب.. تم إنجاز المهمة بنجاح بعد ساعة ونصف الساعة من الجهد المضني.

 

 تفيد "مدونة الجوهرة" أن السفينة في طريقها إلى النقطة المحددة لها سلفاً، والتي ستتجه منها نحو الشرق ثم تدخل إلى القناة التي توصلها إلى المنطقة الواقعة بين اثنتين من جزر لاكشادويب.

ويبلغ عرض هذه القناة 40 ميلا، لكن يبنغي توخي الحذر الشديد، لاسيما والبحارةُ أمام رحلة تفيضُ بالمخاطر. وبمجرد الوصول إلى جانب البر الرئيسي لهذه الجزر، يكون الإبحار حينها في اتجاه الشرق إلى كوتشين.. الرحلة في هذه المرحلة سهلة..

 

لم يكن متاحاً من قبل أن يطمئن أحدٌ عليك؛ إن سافرت برًّا، أو بحراً، فعليكَ أن تودعَ مُحبيك، فربما.. تذهبُ ولا تعود. الموتُ يحدِّقُ بكِ من كل صوب.

هكذا تُلخص "الجوهرة" ظروف السفر في الماضي، لكن اليوم الحال مُختلف، لقد شهدت الحفاوة التي حظي بها طاقم السفينة حينما حلَّت بالقرب من بلاد الهند، حتى ذهب خفر السواحل الهندي إلى "الجوهرةِ"، بطائرةٍ  حلقت على ارتفاع منخفض، في صباح يومٍ صافٍ، ثم لوَّح أفراد طاقم الطائرة بقبعاتهم لركاب السفينة.. لا شك أنّ الإشارة تشمل "الجوهرة"، وأرسل الطيار تحياته فيما بعد إلى القبطان صالح وطاقم السفينة لاسلكيا، واطمأن على أحوالهم. فرد القبطان صالح التحية بمثلها، وشكر "خفر السواحل الهندي" على اهتمامهم.

 

كان  الزائر الثاني نورس البحر الذي هبط لفترة قصيرة على الجزء العلوي من عارضة الشراع الرئيسي. المعروف أنّ هذه الطيور تتكاثر في فصل الصيف على الجزر القريبة من الساحل العماني، ثم تتجه شرقاً في الشتاء حيث تقضي عدة أشهر دون الاستقرار على البر. لكن كان من الواضح أن زائرنا كان يبحث عن مكان للراحة. لاحظنا بعد الإمعان فيه من خلال المنظار أن صدر الطائر كان ملطخاً بالنفط، وكان يحاول تنظيف نفسه عندما هبط على عارضة الشراع. لكن الرياح العاتية وتمايل السفينة منعاه من البقاء فترة طويلة معنا، ثم طار بعد حوالي 15 دقيقة نحو الشرق..

 

تحدث أفراد الطاقم فيما بينهم عما سيفعلونه عقب الوصول إلى كوتشين.. كانت أولوياتهم جميعاً تتمثل في الاتصال بالأهل والأحبة لطمأنتهم، ولاحقاً.. النوم لفترة طويلة.. والاستحمام أيضًا!؛ فالبحارة لم يستحموا بالماء العذب ولم يستخدموه إلا للشرب والطبخ وإذا أراد شخص أن يستحم قفز إلى البحر وعند رجوعه إلى السفينة يشعر وكأن جسده اشتعل حرارة بسبب ملوحة الماء!.....يتبع

 

Almeen2009@hotmail.com