علي بن مسعود المعشني
أعلنت عُمان مؤخرًا انضمامها للتحالف الإسلامي لمُكافحة الإرهاب لتكون بذلك العضو الحادي والأربعين في التَّحالف، وصرَّح معالي يوسف بن علوي بن عبد الله الوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية بأنَّ التحالف ذا طبيعة ومهام سياسية وأمنية وأنَّ انضمام السلطنة جاء بعد تفاهمات وتوافقات مُشتركة بين الدول الأعضاء.
التَّحالف المذكور – وكما رشح عنه - سيكون ذا طبيعة تنسيقية مُشتركة بين الدول الأعضاء وسيتضمن في إستراتيجيته برامج إعلامية توعوية تُخاطب عقول الشباب وتقيهم من التَّطرف وحمل الأفكار الإرهابية، وبرامج تدريبية ميدانية ونظرية لعناصر عسكرية وأمنية لمكافحة الإرهاب، وبرامج سياسية للتعامل مع الإرهاب ومكافحته، وتعاون تنسيقي عال المستوى بين أطراف التحالف ومكوناته عن كل ما يتعلق بالإرهاب.
البيان العُماني وتوضيح معالي الوزير يوسف بن علوي لا يتركان أيّ مجال للشك أو التأويل في حقيقة الموقف العُماني من التحالف، كما أن ثوابت السياسة العُمانية لا يترك أي مجال للعقلاء للتفكير خارج إطار تلك الثوابت وحدود التوافق العماني مع أهداف التحالف ومقتضياته الزمانية والمكانية وفق القاعدة القانونية "لا اجتهاد مع النص" .
من "مصلحة" السلطنة الانضمام إلى حلفٍ يُقاوم آفة عالمية تتمثل في الإرهاب كونها طرفاً في الأسرة الدولية ومن الساعين الجادين دومًا للسلام والاستقرار الدوليين ولكن ليس من ثوابتها الإنجرار خلف الأهواء والنزعات والنوايا المبطنة والأساطير والخرافات السياسية.
صناع السياسات وأصحاب القرار الفاعلين في التَّحالف المذكور يدركون معنى ومغزى كل كلمة وردت في البيان العُماني وعلى لسان معالي الوزير المسؤول، لهذا اكتفوا بالترحيب وتثمين دور السلطنة وموقفها من التحالف، بينما تناولت وسائل الإعلام والنخب الحدث على أنه انقلاب خطير في السياسة العُمانية وعودة الابن الضال!!
ما يهمني ويهم الكثير من العُمانيين في هذا المقال هو تناول وتحليل الموقف العُماني والفهم المضاد له من قبل نخب ووسائل إعلام خليجية والتي صورت الأمر وكأنّه عقاب للسلطنة وتوبة نصوح منها وتخليها عن مبادئها وخلطوا بجهل شديد بين التَّحالف العربي والاتحاد الخليجي ومواقف سياسية سابقة وفسروها بما يدعم نفوسهم المريضة وخواء عقولهم من أيّ وعي سياسي أو تاريخي .
مايؤسفني حقًا أنّ بعض هؤلاء النُّخب ممن يوصفون بالأكاديميين والمحللين السياسيين ممن تتناوبوا على وسائل الإعلام لتحليل موقف السلطنة من التحالف أنهم لا يعرفون حتى الاسم الرسمي للسلطنة !! فمنهم من يقول دولة عٌمان ومنهم من يحسبها مملكة والقليل يذكرها سلطنة، وهؤلاء جميعهم للأسف هم من دعاة الاتحاد الخليجي بعد أن أنضجوا التعاون وأشبعوه منجزات ووعود فارغة!!
الأمر الثاني، من قال لهؤلاء "الحكواتيين" وصور لهم بأنّ التحالف سيشن حربًا على إيران أو سيقتل اليمنيين في اليمن!؟ أو سيهرق قطرة دم عربية أو مسلمة أوغيرهم بالمجان، ومن خولهم بالحديث عن حرب طائفية قادمة بمجرد انضمام السلطنة للتحالف!؟
السلطنة يا إخواني العقلاء لم تفقد رشدها ولا صوابها فيما مضى من الزمن لترشد اليوم عبر التحالف الإسلامي، فالسلطنة لن تتخلى عن ثوابتها السياسية وقناعاتها التاريخية تحت أيّ ظرف أو مسمى، فمجرد احتفائكم الكبير بانضمام السلطنة للتحالف رغم وجود (40) دولة، هو إقرار صريح منكم بأهمية السلطنة وأهمية نهجها وفاعليته في ملمات الدهر وعواصف الأحداث وشدائد الأيام.
فنحنُ في السلطنة يا إخوان نعلم بأنَّ المجوس قوم قد فنوا مع مُشركي مكة، ونعلم بأنَّ المجوس لا يُشيدون المساجد والجوامع ولا يحجون بيت الله الحرام ولا يَقْرَأونَ القرآن الكريم ولا يصومون شهر رمضان، ونعلم كذلك بأنَّ الرافضة قد فنوا بعد الإمام زيد بن علي عليه السلام، ونعلم أيضًا بأنّ مكة والمشاعر المقدسة في مأمن تام من أيّ عبث أو تهديد خارجي وبإمكاننا إثبات ذلك بالوقائع.
ونحن في السلطنة نعلم – وكما يعلم الكثير من عقلاء الأمة – بأنّ الإرهاب صناعة إسلامية بامتياز وإن الحاضن الفكري والشعبي للإرهاب موجود بيننا ويمارس هوايته وغوايته في وضح النهار على الأرض ومن الفضاء.
ونحن نعلم في السلطنة بأنّ الحرب على اليمن هي حرب مصالح آنية ومستقبلية لدول بعينها وليس للمخاطر المزعومة أي نصيب من الواقع، ونعلم بأن الحرب على سوريا والعراق ليست لإقرار حقوق ولا حريات بل هي حروب عبثية بالوكالة لخدمة مصالح قوى كبرى والعرب وقود لها بالمال والدم والسلاح والبشر .
ونحن نعلم في السلطنة أنَّ إقامة تحالف إسلامي لمُكافحة ظاهرة عالمية وهي الإرهاب وفي وقت ينحسر فيه الإرهاب يثير علامات استفهام كبيرة !!!
وفي الختام يمكننا القول وبلسان المواطن العربي البسيط بأنَّ التحالف الإسلامي سيكون مصيره كمصائر سابقيه من تحالفات وتجمعات واتفاقيات ناصعة الحروف مسبوكة الجمل والكلمات وعديمة الأثر على أرض الواقع . وكل عام وأنتم بخير.
يقول بعض المُشككين بسياسات السلطنة ومواقفها المضيئة في الظروف الحالكة: إنَّ مواقف سلطنة عٌمان المتفردة دائمًا هي مجرد أدوار مرسومة لها من قوى كبرى، ونحن نقول: ولماذا تتركون تلك المواقف المضيئة لسلطنة عٌمان ولا تنتزعونها لأنفسكم!!؟
قبل اللقاء: " أفضل طريقة لتحقيق أحلامك، هي أن تستيقظ " .
وبالشكر تدوم النعم