ثمة أُمنيات في عامٍ جديد

 

هلال الزيدي

 

انقضى عام، وأتى عام جديد، فثلة من الأمنيات لامست شغاف القلوب، وكثير منها ذهبت أدراج الرياح، في عام مضى هناك سعيد وهناك شقي، فتفاوتت الأولويات، والكل مخر عباب الحياة من أجل تحقيق أمنية، والكل سابق الزمن في تقدمه من أجل الظفر بالإنجاز، فاختلفت الأمنيات؛ فمن لديه أمنية العودة إلى الوطن بعد اغتراب، ومن لديه وطن لكنه يحس بغربة الاحتضار، وهناك من أضاء شمعة كي يكتب أبجدية الشتات، ومنهم من أضاء السماء كي يحتفي بانتهاء العام، وهناك من نام يتساءل كيف يصحو لينجو من تسلّط الإنسان، وهناك من نام ولم يدر هل نام نومة الخلود أم أنّه أغمض عينية كي لا يرى الواقع، ومنهم من ألقى جسده المثخن بالتفكير عن غد كيف يكون؟ ومنهم من نام وترك لغيره يفكر عنه حتى لا يتأثر فكره ويحل عليه الأرق، هي المتغيرات، وهو التناقض الذي يكوّن دورة الكون.

هناك من أراد أن يكون لكنه لم يكن حتى بات أمره بين الكاف والنون، وهناك من ترك كينونته تجرها أوضاع وأحداث صنعها الآخرون كي يقتات على ما تبقى منهم، لأنّه فهم القناعة بأنّها الكنز الذي يملكه الباذخون فيتغنى به هو والمغلوبون على أمرهم، ليظهر المخططون كأنّهم عتاة قومهم، فيسلطون نواجذهم ويتسلطون بأبراجهم فيقولون هذا من فضلنا حتى تعيشوا بيننا، لأنكم بدوننا سراب يحسبه الظمآن ماء.

تقف الأمنيات على عتبات العام الجديد وهي عارية من رسم يصوغها لتصل إلى عنفوان واقعها، فتتبدل بحسب رغبات سنتها القوانين الوضعية، فيما تُراوح أخرى مكانها لأن العام وتبدلاته لا يكترث بها كونها لم تمثل إلا فتات المجتمع، لأنها وبحسب المنظّرين لم تبنَ على أهداف ومعطيات، كونها جاءت عبثية في قدرها ومقدارها، فلم تجد من يعطيها حق قدرها، فبديهيا أنّ لكل إنسان أمنيات لكن وزنها في كفة الآخر هو المعيار في تحقيقها،

ثمة أمنية تظل حبيسة في جسد اعتاد على دونية التفكير، وثمّة حقائق تتحول إلى أمنيات لكن مؤشر الاستجابة فيها ضعيف حتى أنّها لم تعد تمثل استفزازا من أجل تكوين حراك يبشر بنتاج في أرض الواقع، فالطريق أمامها مسدود بكثرة التعقيدات، فالبيروقراطية ألزمتها أن تراوح مكانها، فساد فيها المحل، وتبدلت صورها من أفكار معطاءة إلى أفكار صامته متكسرة،

ليس من الواجب أن نستقبل عاما جديد بلغة متذمرة مقيتة في تفاصيل مكوناتها، وليس علينا أن نبالغ في وصم الأمنية التي لم تتحقق بأنّ الخطأ في الآخرين، وليس من الصالح أن نكون سوداويين في تعابيرنا وإبداء آرائنا، إذاً ما رأيكم بفتح صفحة جديدة نكتب فيها حروف الحب والوفاء، نزينها بقبول الآخر حتى مع الاختلاف، فنوجهها لمصلحة عامة، فنتحدث بصيغة الجمع، فنقول: نحن نريد، وليس أنا أريد، دعونا نكوّن شراكة حقيقية، فأنتم تملكون القرار، ونحن نملك الأمنيات، دعونا نأتي إلى كلمة سواء فيما بيننا، إنّه من الأنسب أن نعطي الناس حقوقها قبل أن تتحول إلى مطالب حتى يكون عامنا عام استثنائي، كما أنّه من الأجدر أن نوفق بين الرأي والرأي الآخر حتى لا تزداد الهوة بين فئات المجتمع، فعلينا تجسير الفئوية ونبذ الفرقة، وعلينا أن نشبك أيدينا مع أصحاب القرار من أجل تعميق أحساسهم بمن حولهم، وذلك ليتمكنوا من حلحلة الصعوبات عبر البحث عن حلول، وليس التعمّق في وصف التحديات لإيجاد مشكلة أخرى فتكبر وتتسع دائرة الخلاف.

دعونا نحتفي بالإنجاز مع اعترافنا بالإخفاق، وهذا لا يضير حكيما عاقلا، وفاهما حصيفا، فكلما اعترفنا بزلاتنا استطعتا أن نبني عليها نجاحات وأفقا واسعا من قبول الآخر، كما أنّ علينا ألا نوغل في احتفائنا بالصغائر، لتكون ستارا لأننا لم نحقق المنجزات الكبيرة، دعونا نبتعد عن ذر الرماد في العيون، لأنّ ورقة التوت لن تخفي سوءة الأخطاء التي بنيت على باطل، وإنّما سيتغاضى عنها المجتمع لأن لا حول له ولا قوة فيها، نعم نحتاج إلى صمت نراجع فيه نفوسنا؛ لأنّ الضجيج لا يسمن ولا يغني من مسغبة الجوع.

 

أمنيات:

أتمنى أن يجد المواطن في عامنا هذا معاملة مختلفة عندما ييمم شطر أية مؤسسة حكومية، كما تتعامل شرطة عُمان السلطانية لأنّها الأفضل والأروع في تقديم خدماتها، وأتمنى أن يخرج المسؤول (مدير عام، رئيس تنفيذي، وكيل، وزير) من عباءة الفخامة المكتبية إلى أروقة مؤسسته ويلتقي بالصغير قبل الكبير، وأتمنى أن تمنح صلاحيات القرار الذي يخدم العامة لمن يكون في واجهة المؤسسة، أتمنى أن تتبدل اللوائح المنظمة لكل مجال لتكون مرنة في متطلبات الحياة ومستجداتها، أتمنى أن نجد آذانا صاغية لما نقول من باب الحرص على نقاء الأفكار وتجددها في كل زمان ومكان، أتمنى أن تتفق الجهات الخدمية فيما بينها من أجل تقديم خدمات مشتركة لا تتناقض حولها الموافقات.

همسة،

من بين مخيّمات الشتات، ثمّة أمنية تتفتق لتتمرغ بتراب العودة، ومن بين وحل الحروب ثمّة كرامة تحتاج إلى تراب الوطن، ومن بين أزيز الرصاص ثمّة طفولة تنادي بأي ذنب قتلت، ومن بين الأنقاض ثمّة أيادٍ ترتفع "حسبنا الله ونعم الوكيل"، فتلك أمنيتها.

abuzaidi2007@hotmail.com