علي المعشني
انفض سامر المجلس البلدي وأعلنت قوائم بأسماء الفائزين للفترة الثانية، ويبقى الأمل معقودًا على هذه التجربة المتميزة أن تصبح ثقافة راسخة في وجداننا، وأن نتكاتف جميعًا لتهيئة المناخ المناسب لرسوخها ونموها بثبات وتدرج.
رغم أن النتائج بينت المحاصصة ونفس القبيلة والجماعة عليها وهو ما سيتكفل به الوعي والزمن، إلا أنني من أشد المتفائلين والمؤيدين لتجربة المجالس البلدية كضرورة تنموية وسياسية ترفد جهد الحكومة وتتكامل معه، وتجعل من المواطن شريكا حقيقيا في صنع القرار ورسم السياسات ورؤية بنات أفكاره على أرض الواقع ويرفع الكثير من الحرج عن الحكومة ويبرئ مسؤولياتها.
فالمجلس البلدي هو نتاج موروث عادات وثقافة واستمرار وتطوير لهما، وهو نتاج حاجات وضرورات مجتمعية في طور مهم من أطوار عمر الدولة والشعوب لا تنسجم إلا مع عاداتها وما يتناغم مع ثقافاتها ويجعل عقولها تتزاحم ليولد النفع والصواب.
فالتجربة الحزبية في الوطن العربي والتجربة البرلمانية يفوق عمرهما القرن من الزمان، وبما أنهما لم تنبعا من حاجات المجتمعات واستوردت وفرضت عليها كونها ألحن وأطرب، فقد أصبحت عبئا سياسيا على المجتمعات وأعاقت التنمية والنمو وجلبت الزبونيّة السياسيّة والتحزّبات والنجم الأوحد وتاجرت بالثوابت وعرضت السلم المجتمعي لهزات كثيرة، ولهذا حديث آخر يطول.
صلاحيات واختصاصات المجلس البلدي واضحة ومهمة وحيوية، وتدخل في صميم حياة الناس اليومية ومتطلباتها، ونحن في هذا الطور بحاجة ماسة إلى الوعي بأهميّة المجلس البلدي كأفراد وجماعات وحكومة، كمشاركة سياسية وتنموية فاعلة تعمق مشاعر الوطنية والتنافس الشريف المبدع والخلاق بين أبناء الوطن الواحد وتٌبرز التفاعل الإيجابي في بناء الوطن وروح المسؤولية كل من موقعه.
لن يتأتى لنا تحقيق المرجو والمأمول من تجربة المجلس البلدي إلا بالمزيد من الصلاحيات التشريعية والإدارية له، وبتوفير العنصر المادي كموازنة سنوية تحت مسمى "التنمية المحلية".
والتنمية المحلية تعرف على أنّها مشروعات صغيرة محدودة التكاليف والمساحات والمسافات، كصيانة المرافق العامة والتشجير وشق الطرق وتشييد المرافق الضرورية للولاية في حدود تكاليف وأنماط معينة، وماعدا ذلك يدخل في نطاق التنمية المركزية للدولة وخططها الخمسية واستراتيجيّاتها التنموية، ويفترض أن يكون للمجلس البلدي دور وحضور في هذا الجانب أيضًا.
المجلس البلدي اليوم – ومن واقع صلاحياته – لا يمتلك سوى الاقتراحات والتوصيات مع غياب تام للمعتمدات المالية من صلاحيّاته، أي أنّه في وضع استشاري بحت، وهذا في تقديري لا يترجم الطموح من وجود المجلس البلدي كما يجعله نسخة مكررة من وحدات حكومية قائمة تنازعه الاختصاصات وتعيق عمله إلى حد كبير، وما أراه في هذه المرحلة – إن جاز لي ذلك – هو:
1- ضرورة انتخاب رئيس المجلس من قبل الأعضاء المنتخبين والمعينين بحكم مناصبهم
2- ضرورة اعتماد موازنة سنوية للتنمية المحلية تتكون من:
- معتمد من الحكومة يراعي المساحات والسكان والتضاريس لكل محافظة
ب- صندوق المسؤولية الاجتماعي من تجار وشركات ومواطني كل ولاية
ج – أموال الوقف الشرعي بكل ولاية ومحافظة.
د- موازنات المشروعات التنموية في القطاع البلدي.
3- مساواة عضو المجلس البلدي بعضو مجلس الشورى في المكافأة.
4- ضرورة أن تكون اقتراحات وتوصيات المجلس البلدي قرارات بقوة القانون.
5- ضرورة أن يُناط بالمجلس النهوض بالمجتمعات المحلية عبر نشر الوعي بالعمل التكاملي وتشجيع المبادرات الجماعية.
6- ضرورة وجود مطبوعة دورية تُعنى بنشاط المجلس ورسالته تجاه المجتمع.
في اعتقادي الشخصي أننا على أعتاب مراحل تنموية وزمنية جديدة تتطلب منّا أن نكون بمستواهما، وألا نتلكأ أو نقدم الكثير من الحسابات والذرائع السلبية التي تجاوزها الزمن والحاجة فتجربة المجلس البلدي هو تجربة ذات قيمة مضافة للتنمية والوطن ومجمل العمل الوطني، وهي امتداد لموروث السبلة والبرزة والدكة والتي كانت تجمع العقلاء والصفوة وأهل المشورة لتنصهر آراءهم وتتفتق عقولهم عن كل نفع ومشورة تعمم الخير وتحمي المكتسب النافع وترتقي به.
كما أعتقد أن العناية بهذه التجربة الوطنية الخالصة ورؤية ثمارها على الأرض ستفك الاشتباك والتعصب والتجييش بين أفراد المجتمع – بحكم التراكم والزمن -وترتقي بوعيهم ليشبهوا عمان في خيرها و وئامها وتآخيها، وستنبت من خلالها مفاهيم وثقافات جديدة للعمل المجتمعي والتعاونيات بما يحقق النفع لشرائح أكبر ودوائر أوسع تخدم الهوية العُمانية الجامعة وتضيف السمو والرفعة للعقل الجمعي العماني.
قبل اللقاء: "الوطن، سفينة بلا قوارب نجاة"
وبالشكر تدوم النعم