"كـلّ الأسئلة"

 

هلال الزيدي

لا يختلف اثنان على الدور الإعلاميّ الذي تقدمه وسائل الإعلام الخاصة، منها المقروءة والمسموعة طبعا دون المرئيّة، لأنّ الاستثمار في الفضاء الإعلامي التلفزيوني (قنوات فضائية) لم يكن له صدى على الرغم من المحاولات الخجولة التي تظهر بين الفينة والأخرى، وبدون وجود هوية تستطيع أن تستقطب الرأي العام وتكوّن لها نسبة من المشاهدين، فربما لعدم توفر الإمكانات التي تؤسس هذا المسار، وبديهيا فإنّ الحديث عن وجود محطات فضائية منافسة مضمونا هو حديث طويل جدّا ومتشعب ويحتاج إلى تتبع ورصد لا يمكن أن نقيّمه في هذا المقال، لأنّ التّردد موجّه إلى المحطات الإذاعية، وخاصة تلك التي استطاعت أنّ تكون وجهة قيّمة تتحدّث باسم الشارع ويجد خلالها ضالته.

كما أشرت فإنّ تردد هذا المقال موجّه إلى الحراك الإعلامي الإذاعي الذي أحدثته عدد من الإذاعات الخاصة، وأهمها حقيقة إذاعة "هلا أف أم" وبالتحديد البرنامج الذي اقترب كثيرا من المواطنين واستمع إليهم وبثّ قضاياهم في الوقت الذي وصدت فيه كثير من المؤسسات أبوابها، فهذا البرنامج جاء من عمق الحاجة الإعلامية المبنيّة على وجود صوت يجيب عن الأسئلة الستة التي تكوّن المعلومة أو الخبر (ماذا، من، متى، أين، كيف، لماذا) وتسبر أغوارها من أجل الحصول على إجابة صريحة وواضحة تعتمد على المصداقية والموضوعية كقيم إعلاميّة مهمة وبالتالي تجد كل الأسئلة إجاباتها لتكوين معرفة وتحدد مواقع الخلل في البيئة الإنسانية.

"كلّ الأسئلة " برنامج حواري مباشر يتفاعل مع أحداث الشارع ليكون منبرًا حرا يساهم في بلورة الوظائف الإعلامية، وبالتالي يلبي الاحتياجات ويشبع الرغبات التي تعطي مؤشرًا مهمًا في دور هذه الوسائل لتنمية المجتمع وتقييم المشروعات التي تحتاج إلى معرفة ما وراءها وكيفية بقائها واستمرارها، وكل هذا ينصبّ في الارتقاء بمسيرة الإعلام العماني والابتعاد عن الأطروحات السطحية التي أصبحت سائدة في توجهات الإذاعات الخاصة (أف. أم) لضييق مفهومها وقلة ربما مواردها.

إنّ التوجه في طرح خريطة برامجية ضامة لكافة متطلبات الإذاعة يحتاج إلى فهم عميق لماهيتها ودورها التنويري، لذلك فالظهور ببرنامج يلامس متطلبات المواطنين هو الغاية التي من شأنها أنّ تزيد من عدد المتابعين والمشاركين فيه، مما يعطي وضوحا لهويّتها وكيفية تعاملها مع لغة الإعلام عبر ناقل الصوت الذي لم يكن حبيس المكاتب المغلقة وإنما تحرّر وطرق أبواب المواطنين وشكّل معهم حراكًا تفاعليًا ألزم المسؤولين أنّ يتفاعلوا وينتبهوا لكثير من السلبيات في تعاطيهم مع قضايا المواطنين، لذلك فإنّ وجود فكرة مستمرة متمددة في أطروحاتها ليس بالسهل، فهي بحاجة إلى كادر متخصص يمتلك الجرأة في الطرح والتقصي والتتبع، من أجل أن يكون المنبر واضحًا لا يشوبه تشويش المجاملات. 

 إنّ ما يعوّل عليه في البرامج الحوارية هو الفريق الذي يديره باحترافية، وهذا ما توفر لبرنامج "كل الأسئلة" حيث استطاع  "يوسف الحبسي" أن يوظف خبرته الصحفيّة واستخدم مصادره بكفاءة حقق من خلالها سبقا في طرح المواضيع الحسّاسة، وهذا بالتأكيد بجانب الجهود التي تبذلها المذيعة الجادة خلود العلوية حيث كان لها دور واضح في كيفية لملمة الأسئلة وطرحها في نسق واضح تستنطق عبرها الضيوف وتكسر حواجز الصمت التي سيطرت على المشهد العام في مثل هذه الأطروحات، كما أنّ النظرة العميقة التي وظّفها الزميل والإعلامي سالم العمري زادت من  تكامل الصورة وأعطتها أبعادها الإعلاميّة ليكون البرنامج جادًا يلجأ إليه الكثيرون للتعبير عن وجهات نظرهم، فلهم الشكر والتقدير، وبانتظار المزيد منهم.

إنّ الحرّيّة المطلوبة في التعاطي الإعلامي لا تقاس بالقلم والمسطرة، وإنّما هي مجموعة من التفاعلات والخبرات التي تتكوّن مع التعاطي اللحظي لمستجدات الحياة المبنيّة على المتغيّرات السريعة، لذلك فقد طرح البرنامج قضايا حسّاسة واستضاف مختلف فئات المجتمع من أجل تغطية أكبر عدد من القضايا التي تحتاج إلى بساط أخضر لا يمكن قولبته من أجل شهرة فردية أو رغبات ذاتية يحقق من خلفها الأفراد مصالح شخصيّة تكبّد المجتمع خسائر فادحة، وتستنزف طاقات وأموالا طائلة.

إنّ الحكم على نجاح برنامج أو محطة إذاعية يعتمد على عدد المتابعين والمتفاعلين معها، وهذا لا يمكن التكهّن به، في عدم وجود مؤسسات تعنى بالرصد الإعلامي وتحليل المضمون، إلا أنّ البعض من هذه الإذاعات استطاعت أن تكوّن لها  وحدات استطلاع للرأي العام عبر مواقعها الإلكترونية، وربما تعطي مؤشرات لا بأس بها حتى يتعرّف القائمون على نجاح تلك الإذاعات ومقدار الجهد المبذول، ومدى تقبّل الرأي العام للخارطة البرامجية، لذلك حتى تتكامل الصورة فإنّه لا بد من وجود أقسام معنيّة باستطلاعات الرأي العام لرصد الإحصاءات الدقيقة لمدى قوة الرسالة الموجّهة للمجتمع.

شخصيا ومن خلال متابعتي لبرنامج "كلّ الأسئلة" ألحظ التطور الذي يمر به من خلال القضايا أو الأسئلة المطروحة، فالتنوع المُثري للبرنامج كوّن لديّ صورة عن مواضيع تظهر خجولة في كثير من وسائل الإعلام، لكنّها تطرح بجدية عبر أثير هذا البرنامج وخاصة تلك المتعلقة بابتكارات الشباب العماني والتي تحتاج إلى دعم من أصحاب القرار ورؤوس الأموال، حتى تجد ضالتها خدمة لمجتمعنا، هذا إلى جانب طرح القضايا التي تصنّف تحت المواضيع الحسّاسة أو القضايا ذات الخطوط الحمراء، ولعل هذا يعود إلى أسلوب الطرح الذي انفرد به البرنامج.

همسة:

من بين الأثير تأتي الرسالة.. فالمرسل جاد في إيصالها.. والمستقبل متعطش لمعرفتها لزيادة المعرفة لديه، لكن ربما عنصر التشويش الذي يقف بينهما يحول دون وصول الرسالة فتظهر متقطعة مشوّشة.. فتحتاج إلى توغل في طرح الأسئلة، لتكون ذات فائدة، كما يفعل برنامج "كل الأسئلة".

abuzaidi2007@hotmail.com