ماذا يفعل بلد لا يملك إلا الإنسان؟

 

 

زينب الغريبية

 

 

لا أحد يطرح أي تساؤلات حول الإنسان في البلدان التي ترى أنّ الثروات الطبيعية هي المُحرك لكلِّ شيء، وما الإنسان إلا مستهلك مزعج لها، يعمل على استقطاع جزء قد يكون بسيطًا من الفئات التي تسيطر عليها، وترى أنّه لا حق لأحد غيرها في أن يستفيد منها، وهذا العام يعتبر خير دليل على هذا الكلام، فكل الندوات والنقاشات والمؤتمرات تتكلم عن الاقتصاد وتنويعه بعيدًا عن الإنسان، تركز على كيفيّة جلب رأس المال، وعن المشاريع الكبيرة، وعن المناطق الصناعية، وعن جلب السيّاح، لأنّه من وجهة هؤلاء أننا نريد مالاً لكي نتمكن من أن ننفق على احتياجات إنساننا، ولكن لا أحد يضع ثقته في هذا الإنسان ويرى أنه هو القادر الذي يمكن أن يجلب لنا بمهاراته وعطائه الأموال التي يمكن أن ننفق منها على احتياجات البلد والمجتمع، ولذا لا تتخيل مثل هذه المجتمعات أنّها تستطيع البقاء بالإنسان وحده، لأنّ هذا الإنسان هو أسوأ مورد تمتلكه، فهو غير قادر على النهوض بنفسه، فكيف يمكن أن ينهض بمجتمعه، إنّها مفارقة غريبة جدًا، ومضللة، وغير واقعية في سياقها الحاضر، وفي سياقها التاريخي.

فهذا الإنسان الذي نرى عدم أهليته اليوم ليكون أبو الثروات، والتاج المرصع للموارد التي نمتلكها، كان بالأمس حين لم تظهر هذه الثروات الغالية الثمن، هو أداة البناء، وهو سلاح الانتصار في المعارك، وهو المحرك لكل الإنجازات التي حدثت في مختلف القطاعات، ولذا ارتبط هذا الإنسان بمهن معينة وكان يؤديها بإتقان واحترافية لا يمكن أن تضاهى اليوم في ظل وجود الكليات والمعاهد التي تدرس في هذه القطاعات الإنتاجية، وبه اكتفى المجتمع وأمن بكل ما يقوم به، ولم يكن يخشى شيئا، حيث كان لديه البناءون والسباكون وصاغة الفضة والذهب، والأطباء الشعبيون، والمهندسون، والقفّارون، وغيرهم ممن يعتبرهم المجتمع وقتها خبراء يمكنهم حل الإشكاليات التي تدخل في نطاق اختصاصاتهم، كان الخبير عمانياً ولا أحد يمكن أن يضاهيه، وكان المجتمع يحترم خبرته ويعززها باللجوء إليه دون سواه، فما الذي جرى حتى أصبح المجتمع هو العامل الذي يشكك في خبرات هذا العماني الذي تنظر إليه منظمات جامعات ومؤسسات على أنه خبير وتدعوه ليقوم بدراسات أو يقدم لها استشارات، وتجلسه حين تدعوه مجلسا لا يجلس أحد أياه في موطنه، أليس هذا الإنسان مصدر ثروة، فلماذا يتم التفريط في هذه الثروة الوطنية في متجمع لن يجد في النهاية ثروة إلا الإنسان.

 

إنّ بلدا لا يملك إلا الإنسان عليه أن يتشبث بهذا الإنسان، ويحافظ عليه خاصة إذا كان من أصحاب المواهب، وينزل المكان الذي يليق به، ويفتح له المجال ليمارس خبراته على أرض وطنه، وليكون المرجعية التي لا يمكن لبلده أن يتجاوزها إلى الخارج بحثا عن خبراء في وقت يلجأ هؤلاء في الخارج إلى داخل البلد للاستشارات، فكيف نضعف أقوى ما فينا؟ وكيف نعتقد أننا سنقوى حين نحاول أن نستقوى بإنسان من الخارج، ونشك في أننا سنقوى بابن البلد، فأي قوة ننشدها، وأي خداع نمارس سواء بشكل مقصود أو غير مقصود مع أنفسنا؟

نحن نريد انفتاحًا كبيرا على الإنسان العماني، وهذا الانفتاح الذي نطالب هو تقليل الضغط على الكفاءات الوطنية في كثير من المؤسسات، وألا نخشى من نجاحهم لأنّ نجاحهم يعني نجاح مؤسساتهم.

لقد استمعت في الأسبوع الماضي مصادفة لبعض الحالات التي آلمتني في أكثر من مكان، وخشيت أننا نبحث عن تنفيذ لخطط اقتصادية ونجلب أموالاً، لكي نقوى اقتصاديا لكننا في الوقت نفسه نواصل عملية إضعاف أثمن مورد عندنا وهو الإنسان، فماذا نعتقد حين نضعف إنساننا هل يمكن أن ننجح؟

 

لقد أثرت فيني الكلمات التي قالها القائد الأمريكي ماك آرثر قائد الاحتلال الأمريكي لليابان بعد الحرب العالمية الثانية حيث قال عن الشعب الياباني بأنّه لا يستحق الحياة فحاول شاب ياباني اغتياله فجرحه في ساقه، وامتزج أثر ذلك دم ماك معه قال: إنني سعيد بأن دمي اختلط بالدم الياباني، وهناك كثيرون يتمنون أن يختلط دمهم مع الدم الياباني، لما عرف عن هذا الشعب باعتزازه بالإنسان لأنّه لا يملك ثروات طبيعيّة.