تنظمه جامعة السلطان قابوس ويستعرض 46 ورقة وبحثًا علميًا من داخل وخارج السلطنة

تأثير التحولات المعرفيّة المتسارعة على المجتمعات يتصدّر نقاشات المؤتمر الدولي حول "الفكر الاجتماعي في البلدان النامية"

...
...
...

د.شيخة المسلميّة: المؤتمر يسعى للتنقيب في إشكاليات الحداثة والعولمة والقضايا المعاصرة

أ.د. سمير حسن: المجتمعات تبحث عن أخلاقيّات جديدة عند الفلاسفة وعلماء الاجتماع

أ.د. خضر زكريا: المؤتمر يلامس العديد من التحديات التي تواجه علم الاجتماع في منطقتنا العربية

تسليط الضوء على إسهامات الفكر الاجتماعي في معالجة القضايا وتعزيز الرؤى النقدية البناءة

المؤتمر استجابة لكل من التطور المعرفي والتحولات الاجتماعية المتشابكة والمتسارعة

التغيرات السريعة تضع المجتمعات والمفكرين والاستراتيجيين أمام تحديات عظيمة

مسقط- الرؤية

رعى سعادة الدكتور يحيى بن بدر المعولي وكيل وزارة التنمية الاجتماعية صباح أمس الثلاثاء، حفل افتتاح المؤتمر الدولي الثاني لقسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي، بعنوان "الفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع والتنمية في البلدان النامية" وذلك بقاعة المؤتمرات في جامعة السلطان قابوس، فيما تختتم فعاليات المؤتمر غدًا الخميس.

ويبلغ عدد الأوراق العلمية المقدمة في المؤتمر (46) ورقة وبحثا علميا منها (17) ورقة علمية من مجموعة من الدول العربية مثل مصر والجزائر والمملكة العربية السعودية ودولة الامارات العربية المتحدة وتونس وسوريا ولبنان وقطر والكويت وليبيا، إضافة إلى (26) ورقة علمية من داخل السلطنة سواء من قبل أعضاء هيئة التدريس في تخصصي علم الاجتماع والعمل الاجتماعي بالقسم، وكذلك من أقسام كلية الآداب والعلوم الاجتماعية مثل قسم الإعلام وقسم اللغة العربية وقسم اللغة الإنجليزية بالإضافة إلى أعضاء هيئة التدريس بكلية التربية في الجامعة وهناك ثلاث أوراق عمل للمتحدثين الرئيسيين.

الخدمة الاجتماعية

وفي حفل الافتتاح، ألقت الدكتور شيخة بنت سالم المسلمية أستاذ مساعد ورئيسة قسم الاجتماع والعمل الاجتماعي بكلية الآداب والعلوم الاجتماعية ورئيسة اللجنة التحضيرية للمؤتمر، كلمة قالت فيها إنّ تأسس قسم الاجتماع في كلية الآداب والعلوم الاجتماعية بجامعة السلطان قابوس، وبدأت الدراسة فيه عام 1987، مشيرة إلى أنه في عام 2001 أضيف إليه تخصص العمل الاجتماعي (الخدمة الاجتماعية)، وأصبح في القسم تخصصان هما: تخصص علم الاجتماع، وتخصص العمل الاجتماعي. وأوضحت أنّ القسم يتابع ومنذ افتتاحه أحدث التطورات المعرفيّة، والمهنية في مجال تخصصه، كما يسعى إلى الارتباط بحاجات المجتمع، والتواصل الدائم مع القطاعات الاجتماعية المختلفة فيه، حرصا على العناية بالقيم الأصلية للمجتمع العماني ووصل تراثه بحاضرة، ودراسة مشكلاته الملحة واقتراح الحلول والمعالجات العملية لها.

وأضافت المسلمية أنّ رؤية القسم تتمثل في تحقيق التكامل الفعّال بين التعليم والتدريب والبحث العملي ويتطلع القسم لأن يكون بيتا معتمدًا ومتميزًا للخبرة في مجالي الاستشارة والبحث الاجتماعي محليا وإقليميا، كما تتمثل رسالته في الاستعداد الدائم للاستجابة لحاجات التنمية، وسوق العمل، وخدمة المجتمع، ورفد المجتمع العماني بمتخصصين أكفاء في البحث الاجتماعي والعمل الاجتماعي (الخدمة الاجتماعية) في جميع مجالات الرعاية الاجتماعية. واشارت إلى أنّ قسم الاجتماع والعمل الاجتماعي يعد ثاني أكبر أقسام كلية الآداب والعلوم الاجتماعية؛ حيث يستقبل سنويا ما يقارب 140 من خريجي الدبلوم العام، ويبلغ عدد المسجلين في القسم هذا العام 474 طالبا وطالبة وهو من الأقسام الرائدة في أنشطة خدمة المجتمع؛ حيث بلغت هذه الأنشطة أكثر من 151 نشاطا خلال العام المنصرم. وتابعت أنّ القسم يقيم شراكات مع معظم المؤسسات بالدولة، وفي مقدمتها وزارة التنمية الاجتماعية ووزارة التربية والتعليم وغيرها، وقد تمثل ذلك عملياً بوجود لجنة استشارية في القسم من مختلف الجهات الحكومية تسهم إسهاما كبيراً في تطوير برامجه ويعمل القسم كبيت خبرة لتلك الجهات.

ولفتت السليمية إلى أهمية تنظيم هذا المؤتمر، وقالت إنّه يسلط الضوء على قضيّة مهمة من قضايا علم الاجتماع بشكل عام وعلم اجتماع التنمية بشكل خاص، وهي موقف الفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع من قضايا التنمية في الدول النامية. وأوضحت أنّ فكرة المؤتمر تأتي استجابة لكل من التطور المعرفي والتحولات الاجتماعية المتشابكة والمتسارعة، مشيرة إلى أنّ المؤتمر يحاول تأمل هذا الواقع المتغير وأبعاده الاجتماعية والاقتصادية والثقافية.

وأضافت أنّ هذه التغيرات أدخلت الفكر الاجتماعي والمجتمعات في إشكالات فكرية ومجتمعية بين التقليد والحداثة، وبين الحداثة وما بعد الحداثة وبين العولمة وما بعد العولمة، وترتب على ذلك نشوء ظواهر ومشكلات وقضايا اجتماعية عديدة تتطلب جهدا من العلماء والباحثين في العلوم الاجتماعية بشكل عام وعلم الاجتماع والعمل الاجتماعي بشكل خاص لدراستها ووضع الحلول الملائمة لها على أسس علمية موضوعية.

وأكدت المسلمية أن المؤتمر الدولي الثاني يسعى إلى إبراز وتوضيح أهمية الفكر الاجتماعي وتطبيقاته في معالجة القضايا الاجتماعية وتحفيز وتعزيز الرؤى النقدية البناءة لاتجاهات الفكر الاجتماعي، إضافة إلى تعزيز قيم تبادل الحوار الفكري والرؤى العلمية للفكر الاجتماعي وتوظيفها في معالجة قضايا التنمية الاجتماعية. وبينت أنه من هذا المنطلق يتطرق المؤتمر إلى مناقشة قضايا مرتبطة بالفكر الاجتماعي وعلم اجتماع التنمية، والأبعاد الاجتماعية والثقافية لبرامج التنمية والتنمية المستدامة، وحال التفكير الاجتماعي وعلم الاجتماع في الدول النامية.

تفسيرات طوباوية

وألقى الأستاذ الدكتور سمير حسن أستاذ بقسم علم الاجتماع والعمل الاجتماعي ورئيس اللجنة العلمية للمؤتمر كلمة، قال فيها: "لقد أصبح معظم المفكرين يفكرون ويدركون تدريجيا بأن حياة الناس وعلاقاتهم الاجتماعية والثقافية مرتبطة بأسباب موضوعية يمكن معرفتها وتغييرها، بعد أن كان ذلك ولزمن طويل متعلقا بتأملات وتفسيرات طوباوية من كل نوع. وأخذ معظمهم يميز بين التفكير الاجتماعي كتراث ممتد من الحكم والفلسفات الاجتماعية عموما، وعلم الاجتماع كعلم وتفكير منهجي منظم ومنطقي". وأضاف أنه مع إمكانية الاختلاف حول هذه الرؤية للعالم وهذا الفهم لعلم الاجتماع، ومنشأه ومصدره، وما يثيره من توتر منهجي ومعرفي وفلسفي وأيديولوجي؛ إلا أن المؤتمر ينطلق من هذا الافتراض العام لمباشرة أو لتحفيز نوع من الحوار حول أحد أهم قضايا مجتمعاتنا النامية، وهي قضية التنمية وفعل الفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع فيها. وأشار إلى أن الملاحظة والعامة والبسيطة، تقول إن مراحل التغير الاجتماعي الاقتصادي السريع التي مرت بها بعض المجتمعات سابقا كانت دائما تفرز مشكلات اجتماعية ثقافية وأخلاقية، فتنمو وتنشط وتتحفز فيها وفي جامعاتها أقسام العلوم الاجتماعية.

وبين حسن أن جميع العلوم الاجتماعية وجميع البحوث والدراسات الاجتماعية الحديثة الرائدة تبلورت ونشطت مع الحداثة والثورة الصناعية وما أفرزته من مشكلات من كل نوع، متسائلا: "فماذا عن مجتمعاتنا اليوم؟ مع ما يولده ذلك فيها من عواقب ثقافية واجتماعية وأخلاقية من جميع الأنواع، أوليست هي في غاية الحاجة إلى من يتعهدون هذه العواقب بالدراسة والفهم، وهذه التغيرات بالترشيد الاجتماعي العقلاني". وأكد أن العالم اليوم مذهل في عوامل تغيره من حيث التكنولوجيا المدهشة والتفجر المعلوماتي، وجماعات ومجتمعات افتراضية، وتنافسات وصراعات من كل نوع سرعة تغير لا تسمح بالتقاط الأنفاس. وبين أنه في هذه الظروف تهتز منظومات القيم والأخلاق، وتلتبس الخصوصية الحضارية والثقافية، والأصالة والهوية، وتنمو النزعات الفردية وتتراجع اعتبارات المسؤولية والتكافل الاجتماعية، مما يقتضي ضرورة تداخل العلوم الاجتماعية وفي مقدمتها علم الاجتماع للتعامل مع القضايا والمشكلات الاجتماعية الناشئة ومعالجتها.

وقال إن هذه التغيرات السريعة تضع مجتمعاتنا والقائمين عليها من أصحاب القرار والمخططين والمفكرين والاستراتيجيين اليوم أمام تحديات كبيرة، وذلك أنهم أحيانا وقبل أن يتموا السنوات الأولى من خططهم يكون المجتمع قد انتقل إلى حالة أخرى مختلفة عمّا بدأوا به، والتركيب الاجتماعي الذي بدأوا به برنامجهم قد تحول إلى تركيب آخر مختلف. وأضاف أن المجتمعات التكنولوجية وثورة وسائل الاتصال والإعلام والثورة المعلوماتية المنفلتة من عقالها اليوم، تبحث عن أخلاقيات جديدة توجهها، فتبحث عن ضالتها لدى الفلاسفة وعلماء الاجتماع والتربية. وأكد أن التنمية القائمة على أسس مادية وتكنولوجية واقتصادية صرفة تصاحبها مشكلات ثقافية وأخلاقية مختلفة، ولذلك لاحظنا تحول الفكر الإنساني الجديد وجهود المنظمات الدولية والإنسانية التي تشكل الحاجات الاجتماعية والثقافية عناصرها الجوهرية. وشدد على أن المبالغة في مديح التكنولوجيا، يؤدي إلى حياة تفتقر إلى البعد الإنساني، بل قد تحبط التنمية الشاملة، لما تؤدي إليه من فقر ثقافي، مشيرا إلى أنه في مثل هذه الظروف تقتضي الحكمة اهتماما أكبر بالبحث الاجتماعي العلمي، وتستلزم جعل العناية به وتشجيعه ودعمه والطلب عليه من قبل المؤسسات الرسمية والأهلية الوطنية في أساس اهتمام أصحاب القرار.

وتابع: "لعل ذلك ما كان أهم دافع لنا لاختيار موضوع هذا المؤتمر حول الفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع والتنمية؛ إذ أن الشركات ورجال الأعمال والقطاع الخاص ومسؤولو حسابات التخطيط الاقتصادي المادي الأصم، والمهتمون بالدخل القومي الإجمالي وكميته، ربما لا يهتمون كفاية بالبحث الاجتماعي وأهمية البعد الاجتماعي والانساني في خططهم الاقتصادية، فذلك منطق السوق الذي يعملون فيه، بل ربما هو منطق العالم اليوم، والذي يقيس كل شيء بمنطق الربح والخسارة المادية". وزاد قائلا: "لكننا نفترض أن أصحاب الأفق الاستراتيجي والحكماء من صناع القرار التنموي أوسع أفقا في تقدير الأبعاد والعواقب الاجتماعية اذا ما نالت حقها من الاهتمام والتشجيع والدعم، أن تجنب المجتمع كثيرا من المشكلات والأزمات، وأن تساعد في استشراف المستقبل ووضع السيناريوهات المحتملة للعواقب الاجتماعية للإجراءات الاقتصادية أو السياسية، مما يمكن من الاستعداد للمشكلات المحتملة قبل حدوثها، لعل الحكمة اليوم تقتضي إعادة التفكير بالبعد الاجتماعي الانساني في الخطط الاقتصادية، وبأهمية البحث الاجتماعي وتشجيع وزيادة الطلب عليه على المستوى الوطني، وتحفيز العاملين به ماديا ومعنويا".

تحديات العصر

وقدم الأستاذ الدكتور خضر زكريا من جامعة دمشق أحد المتحدثين الرئيسيين في المؤتمر كلمة، ذكر فيها أن موضوع المؤتمر ومحاوره تلامس العديد من التحديات التي تواجه علم الاجتماع لا سيما في منطقتنا العربية. وقال: "في هذا العصر الذي يبهرنا فيه العالم بالتقدم التكنولوجي، وتتوجه مدارسنا وجامعاتنا نحو إهمال العلوم الاجتماعية والإنسانية بوجه عام لصالح التدريس التقني، والبحث في ميادين التقانة والإنتاج من أجل الربح (وليس من أجل تلبية الاحتياجات الفعلية للبشر)، يغدو التساؤل عن قضايا الفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع والتنمية وموقعها في مناهجنا وأبحاثنا وتطبيقاتنا العلمية أمراً حاسما لمستقبل معارفنا الإنسانية". وأضاف زكريا أن رؤى الجامعات صارت تتحدث عن تلبية احتياجات سوق العمل، دون الالتفات إلى التنمية بأبعادها الاجتماعية والثقافية والفنية، ودون الالتفات مثلا لتكوين المواطن الصالح الذي يعرف حقوقه وواجباته، ويعرف كيف يساهم في تقرير مصيره ومصير أسرته وحيه وقريته ووطنه، إنّهم يريدون صنع بشر عالميين مثل الروبوتات يطيعون الأوامر ويتقنون تنفيذها دون التساؤل عن فحواها ونتاجاتها.

وتساءل أنه إذا كان هدف التعليم تخريج موظفين لسوق العمل، فمن الذي سينشئ الناس على القيم الأخلاقية والإنسانيّة؟ ومن الذي سيهيئ الرجل ليكون أبا صالحا، والمرأة لتكون أما صالحة؟ من الذي سيعرف الناس على معاني الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، التي يتشدق بها أولئك الذين يدعوننا إلى تعديل مناهجنا وأبحاثنا لتتلاءم مع متطلبات سوق العمل. وتابع: "أوافق على ضرورة تلبية تلك المتطلبات، ولكن ليس وحدها، ليس أن تركز الرؤية والرسالة في كل جامعة ومركز بحثي على متطلبات سوق العمل وحدها". وأضاف أن الاستمرار في مثل هذا الطريق سيؤدي بنا إلى مجتمع من الأدوات التي يحركها أناس محدودو الأفق، لا يعرفون من الثقافة والمعرفة سوى ثقافة السوق ومعرفة أفضل الطرق للطاعة وتنفيذ الأوامر، أما تكوين الإنسان الحر الخلاق، القادر على التجديد والابتكار، هذه المهمة التي تضطلع بها علومنا الاجتماعية والإنسانية، فيترك لأولئك الذين يتحكمون بمصائر العالم، إعادة السؤال حول التنمية بأبعادها المختلفة، وحول أهداف علم الاجتماع ومناهجه وأدواته وحول الفكر الاجتماعي بوجه عام في غاية الأهمية في هذه المرحلة الحرجة التي تمر بها بلداننا.

الرؤية والرسالة

وتتمثل رؤية المؤتمر في أن للتنمية بعد اجتماعي ثقافي مهم غالباً ما يهمله المخططون، ولذلك تحتاج التنمية إلى مساهمة العلوم الاجتماعية، وخاصة علم الاجتماع، للمساهمة في ترسيخ البعد الإنساني في التنمية وأمّا رسالته فتتمثل في تطوير إمكانات تراث الفكر الاجتماعي، وتحفيز الدراسات والحوارات العلمية والنقدية في علم الاجتماع، لتعزيز مساهمة علماء الاجتماع في البلدان النامية، للاستجابة لمتطلبات التنمية الحديثة والمعاصرة في أبعادها الاجتماعية والثقافية.

ويسعى المؤتمر إلى تعزيز وتحفيز الرؤية النقدية لاتجاهات الفكر الاجتماعي وعلم الاجتماع المعاصر مع إبراز الوظيفة التنموية للفكر الاجتماعي، وتطبيقاته في مختلف المجالات الاجتماعية وتبادل الأفكار والرؤى العلمية حول سبل تكييف تراث الفكر الاجتماعي لظروف التنمية المعاصرة إلى جانب الاستفادة من الدراسات والأفكار والرؤى والمناقشات العلمية المفيدة في المؤتمر في تطوير تعليم علم الاجتماع وتوظيفه للحاجات الوطنية.

ويشتمل المؤتمر على ثلاثة محاور أساسية وهي نقد علم الاجتماع والفكر الاجتماعي، والأبعاد الاجتماعية والثقافية للتنمية والتفكير الاجتماعي وعلم الاجتماع في البلدان النامية، ويتضمن المؤتمر جلسة رئيسية وختامية وبينهما ثماني جلسات تناقش محاور المؤتمر من خلال أوراق العمل والأبحاث.

تعليق عبر الفيس بوك