ساعة تولد الملايين

د.علي اللواتي

يتوافد المئات على المستوى الوطني من طلاب المدارس على مُختبرات كليات العلوم التطبيقية، ويتوجه في المقابل العشرات من أعضاء هيئة التدريس والفنيين المختصين وطلاب تقنية المعلومات إلى مُختبرات المدارس في العديد من محافظات السلطنة خلال الفترة 5-11 ديسمبر، في حراك وتواصل مجتمعي بين المؤسسات الأكاديمية والتربوية للمشاركة الفاعلة والنشطة في فعالية عالمية عنوانها "ساعة من البرمجة"؛ تأكيدا للحضور العماني في مختلف الفعاليات على المستوى الدولي، وهذه الساعة يُراد لها -بل يتوقع- أنها ستولد ملايين الساعات من البرمجة والتطبيقات الحاسوبية، بل وستجعل ملايين المبرمجين والمطورين يولدون من رحم تلك الساعة على مستوى العالم وعلى مستوى الوطن إنْ تفاعلنا مع هكذا مبادرات وتم تشجيع أبناء المجتمع على الانخراط والتفاعل فيها؛ تأصيلا لتعليم يحتاجه أبناء القرن الحادي والعشرين يقوم على تنمية مهارات حل المشكلات والمنطق والإبداع، والبدء في وقت مبكر بما سيوفر لهم أسسا للنجاح في مساراتهم الوظيفية والحياتية على حد سواء.

ويهدف الاشتراك والتفاعل المجتمعي في هكذا فعالية لإكساب طلابنا في المدارس والكليات الوعي أهمية مبادئ البرمجة وأساسيات التطبيقات الذكية، وتوجيههم نحو تعلمها وتبسيط فكرتها ودفعهم نحو تجريبها، لتوعيتهم بأنَّ البرمجة مهارة سهلة يمكن أنْ يتعلَّم الفرد بعضا من أساسياتها في ساعة ويحصل على شهادة، وفي ذلك تأكيد على دور المهارة الاحترافية أكثر من المعرفة النظرية، وأن البرمجة أصبحت جزءا رئيسيا في كثير من النظم والبرامج والممارسات التي نتعامل معها وبها في حياتنا اليومية، بدءا من هاتفنا المحمول وما يزخر به من تطبيقات، مرورا بكثير من الأجهزة والبرمجيات المعقدة التي تستخدمها شتى المؤسسات الحكومية والخاصة على مستوى العالم، وتغيَّرت معها كثير من المفاهيم إلى جوانب تقنية وذكية، وكمثال بسيط فيما مضى إذا أردت أن تذهب إلى مكان ما، عليك أن تمشي إلى محطة سيارات الأجرة، ومع التطبيقات الجديدة تأتيك سيارة الأجرة إلى مكانك وبسعر أقل كلفة مما كان في السابق، وفي "أوبر" وإضرابه ما يغني عن مزيد التوضيح، حتى الحروب أصبحت إلكترونية.

وغنيٌّ عن البيان الكم الضخم من فرص العمل والتشغيل الذاتي التي توفرها البرمجة وتوفر لكثير من نساء المجتمع العمل من البيت وفي أوقات تحددها ظروف الأسرة، وهذا هو التوجه الذي ينبغي أن تتوجه إليه مُؤسساتنا التعليمية لتوجيه أبناء المجتمع نحو الريادة في الأعمال والإتقان في الجوانب والمهارات الاحترافية، لاسيما ذات الصلة بالمعلوماتية وصناعة المعرفة، خصوصا في هذه السنوات العجاف التي يرزح تحت وطئتها اقتصاد العديد من دول العالم، ومنها دول مجلس التعاون، خاصة إذا ما علمنا حجم العوائد المالية التي تحققها شركات التطوير، بل والأفراد المبرمجون والمطورون، لقاء ابتكاراتهم وبرمجياتهم المطورة، وكم يحصد المبدعون في هذا المجال من المال والجاه.

ويجدر بنا أن نعلم أنَّ ساعة واحدة لن تعلمنا كل شيء عن الحاسوب وتطبيقاته، وإنما تخبرنا أن علوم الكمبيوتر ممتعة، وأنه يمكن تعلمها في أي مرحلة عمرية، فكم من الأشخاص توجهوا للبرمجة ودراستها بشكل تخصصي وعبر هذه الساعة!!

وكم هو جميل شعور الطلاب بالإنجاز والدافعية في أجواء من التنافسية العالية والتسابق نحو حصد أكبر قدر من الشهادات، فضلا عن الجانب المعرفي الذي يتوافرون عليه من خلال المادة العلمية التي تقدم لهم بأسلوب جذاب ومحبب وقريب من نفوسهم واهتماماتهم، والأجمل أن يُشارك أبناء عمان عشرات الملايين في أنحاء العالم هذا الفضاء التقني والتشبيك البرمجي في حراك عالمي نحو نمط من المواطنة الرقمية، وينبغي أن يكون ذلك دون أن نفقد إحساسنا بالمواطنة الحقيقية لمجتمعاتنا وأوطاننا.

والذي يبعث على الرضا ما يغرس في نفوس الجيل المعاصر من جرعات من الإيجابية والإحساس بتقدير الذات وبمدى إمكانياتهم اللا محدودة، والأروع أن تقرأ في عيونهم أنَّ الفعالية وضعتهم على طريق الابتكار والتطوير، وأنهم قادرون على توظيف التقنية في تطبيقات مفيدة وممتعة في آن معا، وأنَّ بإمكانهم أن ينخرطوا في ابتكار وتطوير نظم تخدم مختلف المؤسسات الحكومية والخاصة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة والفردية، فتحية تقدير لكل من أسهم وشارك بفكرة أو خبرة في هذا المشهد التقني والمعرفي، ونحو مزيد من الإبداع والريادة في مجتمع ذكي ستتكامل حلقاته بعقولكم يا أبناء عمان.

* باحث وأكاديمي - عميد كلية العلوم التطبيقية بصحار

[email protected]

تعليق عبر الفيس بوك