المعتصم البوسعيدي
يقال: "لا تُفكر في المفقودِ حتى لا تفقد الموجود" عبارة مرت عليَّ عديد المرات، كنت كثير الاقتناع بها إلا لماما، من ذلك خبر سقوط طائرة الفريق البرازيلي " تشابيكوينسي" ووفاة معظم لاعبيه وطاقمه الفني والإداري؛ فأي مفقود هذا الذي لا نفكر به وقد حقق التفكير فيه وجودًا جديدًا وانتصارًا للرياضة، وإشراقةً لوجهها الجميل رغم كل الحُزنِ والألم؟
طائرة سقطت، أرواح حلقت لمصيرها المحتوم، وأفئدة تناثر خيرها الإنساني النبيل، وكثيرة تلكم الأعمال والمعطيات التي رسمت العزاء الحقيقي للفقدِ الذي هزَ أركان كرة القدم العالمية خاصة والرياضية عامة، كان أجملها ـ في اعتقادي الشخصي ـ تتويج الفريق البرازيلي ـ تكريمًا لضحاياه ـ بلقب "كوبا سود أمريكانا" كأس اتحاد أمريكا الجنوبية لكرة القدم بطلب من منافسه فريق أتليتيكو ناشيونال الكولمبي الذي كان من المنتظر أن يتبارى معه قبيل حادث سقوط الطائرة، وعلى هذا انتصرت الرياضة بقيمها المُثلى ومعانيها الحميدة، علاوة على الدعم المادي والمعنوي للنادي البرازيلي من لاعبين وأندية ومؤسسات رياضية مختلفة والمجتمع الدولي بشكل عام.
توالت خلال الأيام الماضية الانتصارات الرياضية، وهذه المرة من ملعب "الكامب نو" معقل الفريق "الكتلوني" نادي برشلونة؛ حيث دار الحوار التقليدي "كلاسيكو" إسبانيا والعالم كما يطلق عليه، وحين كان مشجعو الناديين يتراشقون بالعبارات الفارغة، سخرية ولمزًا وتنابزا، ظهرت روح الرياضة بين المتنافسين على أرضية الملعب، "كريستيانو رونالدو" في عناق مع صديقه "ميسي" وصورة رائعة وأخوية "لنيمار" برشلونة وزملائه من النادي الملكي "مارسيلو وكاسميرو" يواسونه بعد الإصابة التي لحقت به، فما يفرقهم في المستطيل الأخضر ليس إلا تنافس رياضي لا أكثر ولا أقل، وما يجمعهم خارج الملعب علاقة ود واحترام وصداقة، لقد قدمَ هذا "الكلاسيكو" بالذات درسًا وانتصارًا للرياضة بقيمها المُثلى ومعانيها الحميدة.
انتصار الرياضة هذه الأيام ليس بالجديد أو المستغرب، لكن الحديث فيه مستحب والاستدلال به من الضرورة بمكان، لعله يعزز منظومة القيم المفقودة في كثير من الأحيان لدى الجمهور وحتى الإعلام الذي بات يقود التعصب بطريقة عشوائية ـ على حسن ظن ـ لمسار نهايته طريق صحيح للفشل!!، فنحن نشاهد من هنا وهناك عراكا بين شخصين وربما جرائم قتل وتعدي سببه تشجيع رياضي لا عقلاني، نحن نشاهد تمريرا مبتذلا لعبارات تعصبية باسم الحرب النفسية والتأثير على (المنافس) هذه الكلمة أضعها بين هلالين؛ لأنها استبدلت في الخطاب الإعلامي والجماهيري على حد سواء ـ وللأسف ـ بكلمة (الخصم)!! وهذا الخطاب والسلوك الإعلامي يتغلغل في "العقل الباطن" للمتلقي ويظهر عند الإشكاليات كشيطان "شديد الصرعة لا يملكه نفسه عند الغضب"!!.
في وسطنا الرياضي المحلي يجب الحذر من الدخول إلى منزلق أراه ليس بعيدا إذا استمررنا ـ مثلاً ـ في اتهام حكم ما بالانحياز لأندية محافظته، والخلط بين الانتماء للنادي والوقوف خلف ناد منافس بحجة المثل "أنا وأخوي على ابن عمي، وأنا وابن عمي على الغريب"، نحتاج فعلاً للتنافس الشريف والتشجيع المحفز، والإعلام المثير، لكننا لا نحتاج لتأويل الأحاديث ولا "لمستصغر الشرر" الذي يخلف نارًا ورمادا، الصراعات التي لا تنتصر للرياضة بقيمها المُثلى ومعانيها الحميدة؛ ستُحملنا "إصرًا" قد لا نقوى على الإيفاء به حتى عهد قريب على أقل تقدير، وتُحملنا ـ أيضًا ـ "ما لا طاقة لنا به" ورياضتنا ـ أصلاً ـ فيها من الهموم ما يجعل "القشة" قاصمة لظهرها الضعيف. أفلا نتعظ لرياضة منتصرة؟