الاستثمار الخليجي .. و"شاهد ما شفش حاجة"

 

سلطان الخروصي

 

يُشكِّل الاقتصاد لغة العالم الحديث؛ فمؤشرات الأرقام التنافسية العالمية ترسمُ ملامح التَّمدُن الحضاري المُعاصر وما وصلت إليه مؤسسات الدولة تجاه ما تُقدِّمه من خدمات نوعية للمُنتفعين، فالتِّنين الصيني الذي أضحى يغزو مفاصل السُّوق العالمي ويتربَّع على عرش الدول الصناعية بُني على خُطط عاجلة وأخرى آجلة ضمن منظومة مُتكاملة لخلق رأس مالٍ أصيلٍ مكَّنهُ من مُقارعة الدول الصناعية الكُبرى، وعلى هذا النهج بدأنا نشهد انجرار كثير من الدول نحو تلك العقلية كالهند وألمانيا واليابان والإمارات وغيرها.

والمُراقب لمؤشرات التنمية البشرية المُستندة على لغة المال وتطوير البُنية التحتية في الوطن العربي يجد أنَّها شهدت تذبذباً ملحوظاً على مرِّ العقود المنصرمة؛ وفي ذلك دلالة حقيقية على تخبط الإستراتيجيات والبرامج المُعدَّة وفق تَغيُّر الظروف المُحيطة دون أن تكون هناك خطوط عريضة لما نُريد أن نصل إليه ونُحققه، فصناعة الاستثمار والتَّضلُّعِ بمفاهيمه وأدبياته بحاجة إلى قرارات جادَّةٍ وطموحٍ حقيقي بعيدًا عن الارتجال والمُجاملات وضرب الخشوم.

 وعودة إلى مؤشرات التنافسية العالمية في اقتصاد العالم وفق ما توصل إليه تقرير التنافسية العالمية لعام 2016-2017 والمبني على 114 عاملاً للقياس موزعة على 12 مجموعة أساسية تضم كلاً من : البنية التحتية، والاقتصاد المالي، والبيئة، والصحة، والتعليم الأساسي والتعليم العالي، والتدريب، وكفاءة سوق السلع (الابتعاد عن الغش التجاري)، وكفاءة سوق العمل (عبر التحفيز والترقيات والتشجيع)، وتطور السوق المالي، والاستعداد التقني (المؤسسات الإلكترونية)، وحجم السوق (الاستثمار الخارجي أو المناطق الحرة)، وتعقيد الأعمال، والابتكار، فقد أظهر تقرير المنتدى الاقتصادي العالمي ومن خلال دراسته لواقع 138 دولة، الموقع العربي من هذه القائمة كالآتي:

  • وجود انخفاض في معدل انفتاح الدول العربية على الخارج وذلك يُهدِّد نمو اقتصادها وانخفاض معدلات الرفاهية؛ وهو واقع دول مجلس التعاون الخليجي.
  •  أن سياسات التحفيز المالي لم تكن كافية للحفاظ على مُعدلات النمو الاقتصادي الجيد؛ فانعكس ذلك على التحفيز الوظيفي (كالترقيات) وانتهاج سياسات التقشف وضم واكتوار كثير من الوظائف (التجميلية) أو الضرورية ببعض مؤسسات الدولة.
  •  أن الاستثمار في الابتكار والإنتاج كان موازيًا للاستثمار نحو البنية التحتية والخدمات الضرورية؛ مما أدى إلى ابتلاع الموازنات المُفترض تخصيصها للإبداع والابتكار وصناعة النجاح.

إنَّ المراقب للمشهد الاستثماري والاقتصادي بالوطن العربي يلحظ تدهورا مُخيفاً مردُّهُ للأزمات السياسية والأمنية وعدم متابعة آلية تنفيذ المشاريع الحيوية والإستراتيجيات الاقتصادية التي تستنزف مُقدَّرات الأوطان، إلا أنَّ السؤال الذي يطرح نفسه وبقوة: لماذا نشعرُ بحالة ركود الاستثمار الفاعل بدول الخليج العربي والتي تشهد استقراراً سياسياً وأمنياً (داخلياً)؟، وأين الثقل الاقتصادي لها في وقت تكشفُ لنا خططها الهشَّة عورات التخطيط الظرفي الذي تعتمد عليه هذه الدول في بناء اقتصادها، ودور المُتغيرات السياسية في القُطر العربي بمصر وبلاد الشام واليمن لبعض دول المجلس يد في التأثر والتأثير في البيت الخليجي أمام انهيار أسواق النفط العالمية، وذلك ما فتح المجال نحو ضرورة قيام اتحاد خليجي بقيادة السعودية وباستثناء عُمان ضمن أجندة قمة المنامة في الشهر الجاري وبحضور رفيع المستوى من قادة هذه الدول.

 وبالعودة إلى مؤشرات تقرير المُنتدى الاقتصادي العالمي للتنافسية تظهر النتائج ارتفاع معدلات البطالة، وزيادة في العجز المالي، وانخفاضا حادا في معدلات النمو الاقتصادي؛ حيث هبطت تلك المعدلات في دول مجلس التعاون الخليجي بين عامي 2012- 2016 من 5.2% - 2.5%، مع الإشارة إلى أنَّ الأمم المُتحدة قدَّرت عدد الأشخاص الذين سيدخلون سوق العمل بحلول 2021 بأكثر من 3.8 مليون شخص؛ مما سيزيد العبء المالي وارتفاع مُعدلات البطالة، والمُتابع لحيثيات التقرير يجد أنّه يعطي إشارة ضمنية إلى أنَّ عدم وضوح سياسة الاستثمار الأجنبي، وصعوبة توفير البيئة المُناسبة لإنشاء الشركات العالمية، والسعي إلى خصخصة مؤسسات الدولة، وفرض الحواجز التنظيمية والإجرائية المُعقدة نحو المستثمر الصغير؛ كلها سوف ستزيد من خنق الاقتصاد وبناء منظومة الاستثمار العالمي في دول مجلس التعاون الخليجي.

وبقراءة دقيقة للترتيب التنافسي الاقتصادي العالمي والذي بحث في 138 دولة منها 13 دولة عربية، نلحظ أنّه وعلى المستوى العالمي حافظت سويسرا على عرش العالمية للعام الثامن على التوالي، وأمَّا عربياً فقد أظهر المؤشر نمواً حقيقياً لدولة الإمارات العربية المتحدة بالمرتبة الأولى عربيًا والسادسة عشر عالميًا، ونموا طفيفا للأردن والمغرب.

وعودة إلى البيت الخليجي نجد - باستثناء دولة الإمارات- أنّ بقية أعضاء المجلس شهد اقتصادهم انخفاضًا في التصنيف العالمي؛ فبعد الإمارات جاءت قطر في المرتبة الثانية خليجياً والثامن عشر عالميًا، تلتها خليجياً السعودية و(29) عالميًا، ثم الكويت (39) عالميًا، ثم البحرين (48) عالميًا، ثم عُمان (66) عالميًا، وتذيَّلت اليمن القائمة؛ نظراً للظروف السياسية والاقتصادية الخانقة التي تعيشها فجاءت في المرتبة (138) عالميًا.

ولو استثنينا اليمن من قائمة دول المجلس للواقع الذي يعيشه نتساءل لماذا تذيَّلت السلطنة قائمة الخليج العربي؟، فأين مؤشرات النمو الاقتصادي خليجيا وعربيا وعالميا للخطط الاقتصادية الجهنمية التي طالما أزكم بها أنوفنا بعض السادة المسؤولين والمعنيين بالاقتصاد الوطني؟، وأين هو مؤشر الرفاهية واستكمال البنية التحتية حتى اللحظة؟، وما هي مؤشرات الإجادة التعليمية وفقًا للمعايير الدولية؟، ثم أين هي نتائج المؤتمرات والندوات والتوصيات والدراسات التي سمعناها منذ عهد أبرهة في التجويد الصحي مُقابل الأرقام المُخيفة للمواطنين الذي يحجُّون نحو دول جنوب شرقي آسيا والهند للعلاج؟، وأين وصلت نسبة الإنجاز السياحي المحلي والعالمي للبلاد في ظل واقع طوابير الانتظار عند حدود دولة الإمارات الشقيقة في أيّ إجازة رسمية وما يتبع ذلك من انتعاش اقتصادي للعقار والتبضُّع والاستجمام؟ فهل ينطبق علينا القول أسمعُ جَعجَعة ولا أرى طحيناً؟ أو كما قالها المُمثل القدير ذات يومٍ عادل إمام "إني شاهد ما شفشِ حاااااااجة"؟!

مجرد تساؤلات شاردة لا أكثر... 

sultankamis@gmail.com