التعليم بحاجة إلى إعادة الأمل

 

حميد السعيدي

 

مستقبل عُمان مبني على مقدرتنا على بناء أبنائها؛ ليصبحوا قوة بشريّة قادرة على العطاء والعمل والإبداع في مختلف المجالات، مما يؤثر على التنمية الاقتصادية، ويسهم في الرقي بهذا الوطن من دولة مستهلكة تعتمد على مصدر واحد، إلى وطن متنوّع الإنتاج الاقتصادي يشترك في التنافسية العالمية بين الدول، وهذا الطموح ليس من عالم المستحيلات أو الأحلام، فالكثير من الدول العالم كانت تعتمد على المعونات الدولية، وأصبحت اليوم تتصدر قائمة الدول المتقدمة خلال فترة وجيزة، وعندما أرادت أن تتطور لجأت إلى التعليم.

التعليم وحده فقط من يصنع ذلك المستقبل الذي تطمح له الشعوب، ولكن البحث عنه لا يأتي بالتمني والأحلام، وإنّما يحتاج إلى فكر وطني ورغبة قوية من أجل التغيير لأجل الوطن، حينها سنحتفل بالصدارة في قائمة التنافسية الاقتصادية وقائمة التعليم، فعالم اليوم عالم متسارع يعتمد على القوة الاقتصادية في بناء نهضته، ومن هنا تأتي أهميّة الاهتمام بالإنسان في بنائه الفكري والعقلي من خلال المنظومة التعليمية والتي يناط بها تحقيق ذلك الهدف. لو نظرنا إلى تعليمنا فإن واقعه يضعنا في عالم التمني والأحلام التي نستيقظ فيه كل صباح على أن يكون هناك حلم آخر ليوم الغد دون أن يكون هناك واقع حقيقي ليصبح هذا التعليم ذا جدوى وفائدة، وما كشفته دراسة التميز 2015، من مستوى لا يرتقي للطموحات الوطنية ورغبة المواطن في أن يحصل ابنه على حقه من التعليم العالي الجودة، وبالمقارنة بين نتائج التعليم خلال الأربع سنوات الماضية يتضح بما لا يدع مجالاً للشك أنّ التعليم بحاجة إلى حملة إنقاذ وطني من حالته التي يعيشها، فعجزنا خلال الفترة الماضية عن النهوض به إلى مستوى متقدم، يعطينا مؤشرات على أنّ ما نقوم به بحاجة إلى التطوير والإصلاح، والعمل على القراءة الحقيقية لنتائج هذه الدراسة، والاستفادة منها في تحديد الاحتياجات التطويرية للمنظومة التعليمية.

وبالمقارنة السريعة بين النتائج عام 2011، وعام 2015، يتضح أنّه لا يوجد تغيير يستحق الاحتفال إلا هجرتنا للمراكز الأخيرة فقط؛ حيث كانت متوسط نتائج الطلبة في العلوم بالصف الرابع (377) نقطة، و(413) نقطة سابقاً، تقدمنا بـ (45) نقطة، أمّا الصف الثامن فحصلنا على (420) نقطة، و(455) نقطة سابقاً، تقدمنا بـ (34) نقطة، ولكنّه لم يحقق المعيارية فهو حتى المتوسط العام (500) نقطة لم يصله ومازال بعيداً عنه، كما أنّ المرتبة بين الدول فإن ترتيب التعليم في مادة الرياضيات للصف الرابع (39) من (49) مرتبة، وسابقاً كان (46) من (50) مرتبة، والعلوم الترتيب (37) من (47) مرتبة، وسابقا كان(46) من (50) مرتبة، أما الصف الثامن فمادة الرياضيات بالترتيب (28) من (39) مرتبة، وسابقا كان (40) من (42) مرتبة، والعلوم (27) من (39) مرتبة، وسابقا كان (37) من (42) مرتبة، فهذا الترتيب على مستوى الدول المشاركة في الدراسة، فنحن نبعد أجيال وأجيال عن تحقيق صدارة القائمة أو حتى الاقتراب منها، فإذا كنا خلال الأربع سنوات الماضية حققنا فقط الابتعاد عن المراكز الأخيرة، فالسؤال الذي يدور بذهني متى سنصل للقمة في جودة التعليم؟

فقد أثبتت دراسة التميز 2015 من جديد أنّ التعليم معنا لم يحدث ذلك التغيير الكبير لدى طلابنا، إنما أعطانا أملا جديدا لمغادرتنا المراكز الأخيرة التي كنا فيها في نتائج 2011، وهذا إثبات على أنّ المنظومة التعليمية في البلد غير قادرة طوال الفترة الماضية على انتشال التعليم من القاع والصعود به إلى الصدارة، وأنّ العمل الذي نقوم به الآن لا ينتج مخرجات قادرة على الابتكار والإبداع، فهذا يدل على أننا بحاجة إلى إعادة التفكير في تقييم المنظومة التعليمية بصورة شاملة والوقوف على الصورة الحقيقيّة بحيث نستطيع أن نحدد المسار المناسب الذي يدلنا على الطريق نحو المستقبل.

ومما يشعرنا بالأسى والألم نتيجة للإخفاق في الاستفادة من الموارد المالية التي تنفق في قطاع التعليم، وضياع جيل من أبناء الوطن دون أن يجدوا البناء الحقيقي لهم، فكان هناك فاقد كبير في استغلال الموارد المالية والطاقات البشرية في إيجاد بيئة تعليمية ناجحة، في ظل ما يشهده العالم من مرحلة تتميز بالتنافسية العالمية للسيطرة والتحكم في الأسواق العالمية والبحث عن المستهلكين لمنتجاتها، ونحن ما زلنا نترقب ذلك الخبر الذي ربما يستطيع أن يغير من حالة التعليم، بما يمكننا من أن نشهد نتائج ومؤشرات دولية جديدة ترتقي باسم عُمان في سلم الصدارة، وحتى نصل إلى هذا المستوى فإنّ المرحلة القادمة تتطلب منا أن نكون عند مستوى المواطنة المسؤولة ونتحمل مسؤولية ما حدث؛ فكل من له علاقة بالعمل التربوي بدءاً من قمة الهرم التعليمي في المؤسسة التربوية وانتهاء بقاعدة الهرم في المدرسة يتشارك فيما حدث لهذا القطاع من تدهور في المستوى والنتائج.

وطالما نؤمن أنّ التعليم أحد الحقوق الأساسية للمواطن فمن حقنا اليوم أن نطالب بأن يكون هذا الحق ليس في توفره وإنما في جودته بما يحقق الأهداف والغايات الوطنية، نعم من حقنا أن يكون هناك عمل وطني يهدف للارتقاء بالتعليم بالبلد، من خلال تبني استراتيجية وطنية تهدف لتطوير التعليم وفقا لإجراءات هادفة تعمل على معالجة كافة القضايا والتحديات التي تعيق عملية التطوير والتغيير، والاستفادة من الإمكانيات المالية والقوة البشرية المخلصة التي تعمل على التضحية من أجل الوطن.

لتكن البداية من القاعة الصفية، لنذهب إلى هناك ونشاهد ماذا يحدث فيها، نعم اتركوا مكاتبكم والمنظومة البروتوكولية، واذهبوا إلى هناك شاركوهم تعليمهم، تعايشوا مع معاناتهم في عملية التعليم، اذهبوا إليهم واجلسوا بجوارهم؛ وحينها اطرحوا تساؤلا على أنفسكم: هل هذا هو التعليم الذي تستحقه عُمان؟!

Hm.alsaidi2@gmail.com

الأكثر قراءة