ماذا لو كنت ثريًّا؟!

 

 

مدرين المكتوميَّة

حين تمرُّ على مسامعنا كلمة "ثري"، يتبادر إلى أذهاننا ودون أي مُقدمات وشروحات "المال"، لكن: هل يعني امتلاكنا المال أننا أصبحنا أثرياء؟ وهل الثراء مرتبطٌ ارتباطًا تامًّا بالمادة؟ يبدو إذن أنَّنا نسينا مع الوقت أنَّ هناك ثراءً معنويًّا لا يُقدَّر بثمن؛ وهو الذي نُطلق عليه "غنى النفس"، فأين نحن منه؟ وكيف للمادة أن تنسينا إيَّاه؟

لو كُنت ثريَّ المال لربما استطعت أن تشتري به كل شيء حولك، وكل ما تراه عيناك، وستجد الكثيرين من الذين يعيشون معك يُصفِّقون لك سواء في الخطأ أو الصواب، ويمتدحونك في النجاح والفشل، ويرفعونك إلى القمم مهما كانت أخلاقك، لكنك ستكون دائما في المكان الذي يفتقد الصدق والمصارحة، ويخرج الإخلاص الحقيقي من باب واسع ليدخل مكانه -ولكن عبر الشباك- المدح والمجاملة على كلِّ ما يستحق ولا يستحق، وسيأتي اليوم الذي تفتقد فيه النصيحة الصادقة لا محالة.. خاصة إن تجرَّدت فجأة مما تملك من أموال.

الثراء جميل والمادة وسيلة للسعادة؛ فالأغنياء لا يحتاجون للجمال كما قالت أحلام مُستغانمي؛ لأنهم جميلون بما يملكون، ولكن لو استيقظوا يوما ووجدوا أنفسهم بلا شيء، حينها لن ينفعهم الجمال الذي صنعه الثراء لهم، بل سيحتاجون لما هو أكبر من ذلك؛ ألا وهو احترام الآخر لهم حتى لا يخرجوا من العالم دون ذكرى طيبة أو دعاء صادق من القلب، ويكون آخر ما يملكونه حفنة من المال لا يمكنه أن يشتري لهم الحياة أو يبتاعون لأنفسهم أعمارا جديدة. وهناك كثير من الناس ممن عاشوا حياتهم في جمع المال وتكنيزه، ولكن حين نخر المرض أجسادهم لم يستطيعوا أن يدفعوا ثرواتهم مقابل أن يعطيهم أحد صحته؛ وبالتالي رحلوا دون أن تقدم لهم ثرواتهم شيئًا يُذكر، وربما رحلوا وهناك قانط عليهم ومجروح منهم وآخر مستاء من تصرفاتهم؛ فلا تبقى لهم سوى ذكرى سيئة في قلوب هؤلاء.

أن تكون غنيًّا بالمال فتلك نعمة، وأن تكون شاكرا للنعمة فهذا واجب حتمي؛ لذلك عليك أن تعلم يقينًا أنَّ من أعطاك قادر على أن يسلبك، ومن رفعك قادر على أن يسقطك، ومن أوصلك قادر على أن يعيدك.

ولعلنا نجد الكثيرَ من الفقراء هم الأسعد بين الناس، يعيشون ببساطة، ويقدِّرون النعمة، ويفرحون بالرزق، خاصه من تملؤهم الحمية على كرامتهم، ولا يحبون أن تهان أنفسهم أمام الآخرين مقابل أي شيء مهما كان؛ فلديهم من العزة ما يجعلهم بعيدين كل البعد عن مدِّ يد السؤال عند الحاجة؛ فتجدهم يكسبون حلالًا وبأعمال شاقة وبسيطة؛ فلولا أبناء هؤلاء الفقراء لما كانت أموال وثروات الأغنياء موجودة، هؤلاء الذين تحسبهم أغنياء من التعفف ثراؤهم هو تعففهم.

علينا أن نُؤكِّد أن غنى النفس هو الثراء الحقيقي الذي يصنع لك الحب، فإن أحبَّك الناس دعت لك الملائكة، وإن وجدت الحب كانت لك بصمة بين الناس يذكرونك بها بالمعروف، ويدعون لك في غيابك عن ظهر قلب، فالحب شيء يمكن أن يصنع المعجزات؛ فكيف إذا كان ذلك الحب قد حصل عليه من غنى نفسه؟ ولكن الكثير من الناس يظن أن الغنى ليس إلا كثرة المال من نقود وأسهم وعقارات وتجارة وأملاك...وغيرها، هؤلاء تتملَّكهم أنانية تعميهم عمَّن حولهم، يشبهون اللصوص في سلب كل ما يُمكنهم من حقوق الآخرين، ولا يكترثون قليلا أو كثيرا بما قد يوجده ذلك من شعور بالازدراء ممن يظلمون.

هؤلاء ليسوا من أهل الغنى؛ فالرسول مُحمَّد -صلى الله عليه وسلم- يلفت الأنظار إلى المعنى الحقيقي للغنى؛ حين يقول: "ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس".

ومن هنا؛ علينا أن نعطي لأنفسنا مكانتها ونحفظ لها كيانها، ونُسهم بشكل كبير في أن نكون قادريْن على أن نحيا حياة كريمة وجميلة ولو بالقليل؛ فلو وجدنا احترام الناس ومحبتهم لاستطعنا أن نكسب الكثير.

madreen@alroya.info

الأكثر قراءة