غياب التعمين يهدد الاقتصاد الوطني

 

 

حميد السعيدي

اليوم الذي تُشرق فيه شمس جديدة وأمل جديد على هذه الأرض، يأتي الطموح الوطني على أيدي الشباب العُماني، بأن يشمر عن ساعديه للعمل بجد وإخلاص بحيث تتحقق فضيلة المواطنة السامية، في أن يصبح المواطن القوى البشرية القادرة وحدها على صناعة المستقبل، تلك الغاية التي من خلالها نستطيع أن نصنع من عُمان اسما ورقما متقدماً في التنافسية الاقتصادية، وضمن الدول الاقتصادية العظمى، وهذا الأمل والطموح ليس من الصعوبة بمكان؛ ولكنه بحاجة إلى العمل الوطني الذي ينبع من الذات الباحثة عن مجد التقدم.

والوصول لذلك لا يأتي إلا من خلال تلك القوى الوطنية المهنية ذات القدرات العليا والقادرة على العمل بجدية في كافة المجلات، والتي تعمل على رفعة هذا الوطن، هي وحدها هذه الطاقات التي يجب أن تستغل من أجل أن تصبح قوى منتجه تُسهم في تحقيق النمو الاقتصادي للبلد؛ فبدونها لن نتمكن من تحقيق التنمية الاقتصادية. الواقع الإحصائي يثبت أن هناك خطراً كبيراً سوف يواجهنا في المستقبل إن لم نتمكن من إعادة الدفة لصالح الشباب العُماني؛ حيث إن هناك اتجاهاً قويا نحو جلب أعداد كبيرة من العمالة الوافدة الرخيصة وغير المتخصصة، فيما تمثل نسبة الوافدين بشكل عام أكثر من 45% من تعداد السكان، مما يضعنا أمام مواجهة مشكلة كبيرة ندق من خلالها ناقوس الخطر، حيث بات قطاعا من هذه العمالة يسيطر على أنشطة اقتصادية حيوية، وتحصل على أرباح كبيرة جراء ذلك، بينما الشباب العماني لا يجد فرصة عمل. وفي الوقت الذي يبلغ حجم التحويلات المالية السنوية للوافدين أكثر من أربعة مليارات ريال عُماني، يعاني الشباب من قلة فرص التوظيف. لقد باتت مصالح المستثمرين الخاصة تتجاوز الحدود وتضر بالمصلحة الوطنية العامة، وتؤثر سلبا على الطموحات والأهداف الوطنية.

فقبل عام 2011، كانت هناك خطة وطنية واضحة المعالم تسعى لتحقيق التعمين في الكثير من الوظائف في القطاع الخاص، وهذه الإستراتيجية السابقة نتج عنها الكثير من الإيجابيات؛ فقد قل تواجد الأيدي العاملة الوافدة؛ مما أثر على الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية للبلد، ولكن اليوم ضرب بتلك الخطط عرض الحائط وأصبح التعمين منهجا قديما لا يطبق منه إلا النذر القليل. ثمة معادلة خاطئة نتجت عن ذلك، فكيف تكون هناك زيادة مفرطة في العمالة الوافدة وبالتوازي معها زيادة في قضية "الباحثين عن عمل" المحلية.

الطفرة الكبيرة في العمالة الوافدة تحولت إلى نقمة على المجتمع؛ إذ تسهم هذه الأعداد الكبيرة في وقوع الكثير من القضايا الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتؤثر على بقوة على مدى مقدرة المجتمع الأصيل على المحافظة على مكتسباته الثقافية والاجتماعية، والأخطر من ذلك مقدرة هذه العمالة على تشكيل وبناء التجمعات الاقتصادية (اللوبيات)، والتي تتحكم في السوق العُماني، وتعمل على مواجهة الشباب العماني الذي يرغب في الدخول في المنافسة الاقتصادية، وتعمل على تحطيمه ومنافسته؛ بل وحياكة العديد من الخطط من أجل إسقاطه. هناك العديد من التجارب الشابة التي أخفقت نتيجة لوجود العمالة الوافدة، خاصة الآسيوية، والمتحكمة في العديد من الجوانب المتعلقة بالاستيراد والتصدير، وعملت على تحطيم المشاريع الشابة والتي كانت بحاجة إلى الوقوف والنهوض من أجل منافستهم في السوق. لكنْ هناك خطرٌ آخر يتمثل في مؤسسات القطاع الخاص؛ حيث يواجه الشباب العُماني المعاملة السيئة من قبل المديرين الوافدين، والذين يتحكمون في القرارات الإدارية، ويعملون على التقليل من قيمة المواطن، بل والعمل على دعم بني جلدته ومساعدته على حصول امتيازات يحرم منها المواطن؛ مما يدفعه لتقديم استقالته. كما تسهم هذه العمالة في التأثير على الأوضاع الاجتماعية التي تؤثر سلباً على المجتمع، وتُسهم في انتشار الجريمة -خاصة المخدرات وتداولها داخل المجتمع- وكذلك ظاهرة الغش التجاري والرغبة في معالجة مشكلاتهم الاقتصادية بالأساليب الخاطئة، وانتشار الدعارة والعمل على تشكيل مجموعات تمارسها وتوجد بيئة لها، والاكتشافات الأخيرة التي قامت بها الجهات الأمنية تكشف مدى الخطورة وانتشارها، إلى جانب تأثير على الثقافة العُمانية وعلى العادات والتقاليد، حتى أصبحت خطراً يهدد اللغة العربية والتي أصبحت تعاني من غياب وفقدان الكثير من مصطلحات وسيادة مصطلحات ركيكية لا تمُت للغة من قريب ولا بعيد.

خلال الفترة الماضية، كنا نشاهد الشباب العُماني في كافة المهن، واليوم أصبح الوافد هو المتواجد في كل مكان، بل يمارس أكثر من مهنة ويخالف العديد من الأنظمة والقوانين في البلد، خاصة وأن الكثير من المستثمرين لديهم الكثير من السجلات التجارية ويعمل على استقدام أعداد كبيرة من العمالة الوافدة، ثم يقوم بتسريحها في الشارع العُماني تاركا لهم الباب مفتوحا للعمل في أي مكان، مقابل الحصول على مبالغ مادية تمثل مصدرَ دخل من خلال التجارة المستترة. ليس هذا فحسب بل إنَّ  هناك العديد من مؤسسات القطاع الخاص تعمل على تشغيل الأيدي العاملة المسرحة؛ وذلك هربا من القوانين المتعلقة بتشغيل الايدي العمانية. وبعيداً عن الرقابة التي أصبحت عاجزة عن مواجهة هذه الظاهرة، والأعداد التي تعلن يوميا عن الأيدي العاملة الهاربة دليل على سيادة التجارة المستترة، وتوفِّر وظائف لهذه العمالة الهاربة في الجانب الآخر، وهذا أكبر خطر يواجه الجانب الأمني والاقتصادي للبلد.

إنَّ الوقوفَ صمتاً أمام هذا الخطر يؤثر كثيراً على المصلحة الوطنية، لذا فإن اليوم نحن بحاجة إلى إعادة إستراتيجية التعمين، والعمل على دعم الشباب العُمانية وتأهيلهم ليصبحوا أكثر مقدرة على القيام بواجباتهم والعمل على ابتكار مشاريع استثمارية بأنفسهم، ويمكن الاستفادة من تجارب الكثير من الدول التي كانت تعاني من ارتفاعا كبيراً في الباحثين عن العمل.

 

hm.alsaidi2@gmail.com