تحديات في وجه كتاب "أنا إنسان"


 

عبيدلي العبيدلي

"أنا إنسان" هو أحد الأعمال المشتركة الصادرة عن مؤسسة "جبل عمان ناشرون "، بالتعاون مع "متحف الأطفال" الأردني. يضم الكتاب بين دفتيه، كما تقول عنه صفحة غلافه الأخير " مواد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بلغة عربية مبسطة للأطفال، مع رسومات كاملة تمثل كلا من هذه الحقوق فيكون بذلك أداة تعرف الأطفال بحقوهم منذ الصغر".

والجميل في هذا الكتاب المتميز أن في الإمكان استخدامه من قبل الأطفال مباشرة دون الحاجة لأية مساعدة، لكن مادته، تبيح الاستعانة بها "كأداة تعليميه للمعلمين، ومقدمي الرعاية والأهالي وذلك من أجل تطوير وعي الأطفال".

وعلى هامش الحلقة النقاشية التي أقيمت عند تدشين الكتاب في شهر أكتوبر 2015، و"شاركت فيها مديرة متحف الأطفال سوسن دلق، ومدير عام (جبل عمان ناشرون) سنان صويص واختصاصية الطفولة سيرسا قورشا، والفنان حسان مناصرة الذي ساهم في رسم لوحتين من الكتاب علاوة على رسمة الغلاف"، تحدث صويص عن فكرة هذا المشروع، فقال "نرى في مثل هذه المبادرات نواة تشجِّع على تعزيز احترام ثقافة حقوق الإنسان من سنٍّ باكرة، وتدعم دمج الإبداع الفني والثقافي، ويتمثَّل ذلك برسومات الفنانين العرب المشاركين".

يكتسب هذا الكتاب أهمية خاصة في هذه المرحلة من تاريخ الأمة العربية المعاصر بسبب تنامي معدلات انتهاك حقوق الطفل العربي جراء الحروب "العبثية" التي تجتاح أكثر من بلد عربي، والتي يشكل الأطفال نسبة عالية من ضحاياها. فوفقا لإحصاءات موقع الألوكة الإلكتروني (http://www.alukah.net/culture/0/83958/#ixzz4QhaKSLCj) هناك ما يربو على "7 مليون طفل تأثروا بالصراع الدائر في العراق". وفي السياق ذاته نوه  المدير التنفيذي لليونيسيف آنتوني ليك قائلاً: كانت هذه سنة مدمِّرة لملايين الأطفال، قُتل الأطفال وهم على مقاعد الدراسة، أو وهم نيامٌ على أسِرَّتهم، تعرَّضوا لليُتم والخطف والتَّعذيب والتجنيد والاغتصاب وللبيع كعبيد، ولم يسبق في ذاكرتنا الحديثة أن تعرَّض هذا العدد من الأطفال لمثل هذه الفظائع، (15 مليون طفل) يعانون من النِّزاعات العنيفة في جمهورية إفريقيا الوسطى والعراق وجنوب السودان ودولة فلسطين وسوريا، وأصبح الكثير منهم بفِعل هذه الصراعات نازحين أو لاجئين، ويقدَّر أن 230 مليون طفل في العالم يعيشون حاليًّا في دول ومناطق تتأثر بالنزاعات المسلحة".

وطبقا لتقارير (الشبكة السورية لحقوق الإنسان)، "تعرض مالا يقل عن 7457 طفلا للتعذيب في مراكز الاحتجاز التابعة للقوات الحكومية، وذلك منذ مارس/آذار 2011 وحتى مارس/آذار من العام الجاري. وإن التعذيب طبق بشكل منهجي داخل مراكز الاحتجاز التابعة للقوات الحكومية بحق الأطفال المحتجزين، ولم تميز كثيرا القوات الحكومية في تعاملها مع الأطفال المحتجزين دون غيرهم من الشرائح العمرية".

بطبيعة الحال لا تخلو سياسات القوى الأخرى الضالعة في الصراع الدائر في سوريا من ممارسات مشابهة، لكن يبدو أنها غير موثقة.

وتزداد الصورة قتامة عند الحديث عن الطفل الفلسطيني المرغم على العيش تحت حراب الاحتلال الصهيوني، إذ تشير الإحصاءات إلى أنه في غزة وحدها "تسبَّب النزاع الذي استمر لخمسين يومًا خلال الحرب على غزة في "فقدان 54،000 طفل لمنازلهم، إضافة إلى مقتل 538 طفلاً وإصابة 3،370 آخرين. وتؤكِّد الإحصائيات أنَّ عدد الأطفال المشرَّدين بلغ نحو25،220، فيما بلغ عدد الأطفال الذين يحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي 373،000 على الأقل؛ نتيجةَ معاناتهم من الصدمة، أو لظهور أعراض الضيق المتمثلة في الأرَق والذُّعر والكوابيس، واضطرابات الطعام، والعصبية، والاكتئاب".

 وحسب ما ذكرَت رئيسة المكتب الميداني الذي تُديره منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) في غزة بيرنيل إيرنسايد؛ "فإن نحو 400 ألف طفل أصبَحوا يواجهون مستقبلا قاتمًا للغاية؛ بفِعل الصدمات التي يُواجهونها بفعل العدوان الإسرائيلي".

في هذه الظروف القاسية غير الإنسانية التي يعيشها الطفل العربي يأتي كتاب "أنا إنسان" كي يضع أساس رسالة غير مباشرة، لكنها ذات نبرة عالية ودعوة واضحة من أجل التأسيس لثقافة عربية تغرس، عميقا، في أذهان الأطفال العرب حقوقهم المسلوبة التي جردها منهم الوالدين قبل أي طرف آخر، وتعد جيلا عربيا واعيا بمسؤوليته تجاه أطفاله أولا، وتجاه نفسه ثانيا. فليس الأطفال العرب وحدهم من يعانون من انتهاكات حقوقهم التي أباحتهم لهم قوانين المنظمات الدولية وفي مقدمتها منظمة حقوق الإنسان.

تتوزع مادة الكتاب على 80 صفحة، يشكل القسم الأساس فيها 30 لوحة رسمها مجموعة مختارة من الفنانين العرب، كل لوحة منها تجسد بندا من بنود "إعلان حقوق الإنسان". الجميل في الكتاب أنه لم يمس نصوص بنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، واكتفى باللوحة كي تتولى تبسيط مفاهيمها بحيث تكون مباشرة، وقادرة على أن تتغلغل بانسياب في ذهن الطفل العربي، كي تترسخ فيه، وتتحول إلى سلوك حضاري يدفعه، بشكل متمدن إلى التمسك بتلك الحقوق، ليس في طفولته فحسب، وإنما حين يشب عن الطوق ويتحول إلى مواطن ناضج في مجتمعه.

  مجموعة من التحديات التي يمكن أن يواجهها هذا الكتاب، من بين الأهم فيها:

سعة الانتشار كي يتسنى للناشر تحقيق هدف الكتاب السامي وهو الوصول إلى أكبر عدد ممكن من الأطفال العرب، بحيث يتسنى لهم، ليس الاطلاع على حقوقهم والوعي بها فحسب، بل التشرب بما جاء فيها، والاستعداد للدفاع عنها بشكل حضاري متميز، بعيدا كل البعد عن الممارسات التي نشهدها اليوم لدى الكثير من المؤسسات العربية "المتنطحة" للدفاع عن حقوق الإنسان التي لا تكف هي ذاتها عن انتهاكها.

تحول محتويات الكتاب إلى مادة تفاعلية سواء في شكلها المطبوع اليوم أو عند إعداد النسخة الإلكترونية منها مستقبلا لضمان عدم تحولها-في الحالتين- إلى مادة تلقينية تعزز السلوك "الببغائي" لدى أطفالنا، فيتحولون، وهو مالا يريده الناشر، إلى مرددين لنصوص لا يفقهون معناها، ولا يدركون دورها في تكوين الوعي العربي المتحضر.