القمر العملاق.. وبدر العشاق

 

 

عائشة البلوشيَّة

إذا ما كنتم من متابعي علوم الفلك والأبراج، ستجدون أن علماء الفلك دائما ما يقولون ويتحدثون عن ظاهرة تراصف الكواكب أو النجوم أو الأجرام في أي برج، ويبدأون في التنظير ووضع الفرضيات والتوقعات العلمية لتبعات ذلك التراصف الفلكي، ولكنهم لن يستطيعوا أن يدلوا بدلوهم في تراصف ظاهرة طبيعية متمثلة في القمر العملاق، وظاهرة كونية متمثلة في بدر العشاق، وظهورهما في شهر واحد، لن يستطيع الحديث عن هذا التراصف إلا علماء عُمان فقط، حيث امتلأت هواتفنا ليلة انتصاف القمر بصور تحاول جاهدة إظهار عظمة الخالق في ذلك اللجين المنير، وكان الجميع يترقب هذه الظاهرة التي لا تتكرر مرار في حياة الشخص منا، وكان الإعلام الكلاسيكي والافتراضي هو من شجعنا على ذلك الترقب، وبالفعل كان يستحق ذلك العناء خصوصا من أولئك المهتمين بمتابعة حالات القمر والأجرام السماوية، ورغم تلك الحالة الجميلة من الانتظار كان كل فرد في موطني الحبيب ينتظر بزوغ بدر العشاق، ويبحث عن موقع رسمي يعلن عن تلك الظاهرة الملحمية التي لا يمكن أن توصف إلا بملحمة العشق الصادق.

وجاء الإعلان يوم الأربعاء السادس عشر من نوفمبر المجيد من العام 2016م، عبر أجهزة الإعلام المرئي والمسموع، مبشرا شعبا عَشِق مليكه ليبث دماء الفرح في عروق تتعطش لتلك الطلة القابوسية البهية، فتحلق جميع من استطاع أن يكون حاضرا أمام الشاشات يوم الجمعة المباركة الثامن عشر من نوفمبر 2016م، والتصقت الحدقات بشاشات الهواتف الذكية لمن كان بعيدا عنها، منتظرين عبر الرابط الإلكتروني بداية البث المباشر، ولمن لم يجد هذا أو ذاك قبع في مركبته منصتا للبث الإذاعي، والقلوب ترتجف شوقا وفرحا لبزوغ بدر العشاق سيد شعبه ومليكهم سلطاننا المفدى، وفجأة بدأ البث المباشر من ميدان الصمود، بدخول الفرق العسكرية، وما هي إلا لحظات تعتبر دهرا من عُمر الزمان لمن عاش هنيهات الترقب، وإذ بالموكب الميمون يمخر عباب القلوب المشتاقة، وهتاف الأطفال والموطنين يعلو بكل الحب (بالروح بالدم نفديك يا قابوس)، ويطل -وما أحلاها وأعذبها من إطلالة- عبر زجاج نافذة مركبته وابتسامته الدافقة بالحنان والحب تكسو صفحة ذلك الوجه الصبوح، فتنهمر دموعنا بدون وعي منا، سخية بسخاء مشاعر الشوق لجلالة الأب الإنسان السلطان، ثم يترجل من مركبته ونحن نكاد نلتصق بسماعات التلفاز ليصل إلينا صوته الحبيب عبر الأثير وهو يتلقى التهاني من مستقبليه، ويصل المنصة والهيبة العسكرية تستقي من هذا القائد المهاب دروسا ومعاني ساميات، والله أني لن أبالغ عندما أصف ذلك الدخول الغالي بأنه أنعش النفوس، كيف لا والقلوب جميعها تخفق "قابوس"، والسعادة غطت على الجو العام المحسوس وغير المحسوس، حتى كأننا نكاد نلمسها بأيدينا قبل أرواحنا، وقائد الطابور العسكري يرنو بثبات نحو المنصة فجلجل بصوته وأتى بالجملة التي نترقبها بكل شوق في كل عام: (طابور... سلام لجلالة المعظم، سلام قف)، ورغم أن السلام السلطاني ننشده بشكل يومي، ويلتصق بخلجات قلوبنا وكأنه غشاء آخر يكسوها، إلا أنَّه ورب الكون كان له طعم يتماهى في اللذة في هذا اليوم البهيج، صدر الأمر العسكري فانحنت رايات الأسلحة المختلفة وسيوف قادة الطوابير إجلالا لمقام ذي المقام الجليل، وعزف السلام وكأننا نشنف آذاننا به ﻷول مرة، وأنشدنا النشيد بالكلمات والدموع، واستأذن قائد الطابور في بدء الاستعراض، لتبدأ الفرق الموسيقية العسكرية في العزف، ثم تلتها الفرق العسكرية لقوات السلطان المسلحة والحرس السلطاني وقوة السلطان الخاصة، وتأتي تلك اللمحة التي لا تقدر بثمن، عندما يتجسد الحمد والشكر لرب العزة من أبينا وقائدنا في "مقلتين" نفديهما بأرواحنا، وقد غشت مسحة الشكر الرقراقة عينيه الحبيبتين، وهو يعي أن شعبه سيسكب دمعا حارا صادقا بدلا عنه، فأنت يا سيدي لست كأي من البشر، أنت ملكت قلوبنا فاحببناك، ورسمنا اسمك على شفاهنا فعشقناك، وتغلغل فضل أبوتك في خلايانا فتفديناك أبدا.

إطلالة خلقت ملحمة عشق بين شعب وسلطان، أحبهم أبناؤه فحلفوا بالبر لهذا البدر الإنسان، سخر لهم طاقاته البدنية والعقلية والعاطفية، فعاهدوه على أن يبذلوا له الجهد والأعمال وأن يبلغوا في كل مجال المراتب العليا، ويأتي نوفمبر من كل عام ليملأ سماء عمان بلآلئ البهجة والحبور وجذوة الشوق التي تزداد اشتعالا بتجدد الزمان بين شعب وسلطان، لذلك جاء تراصف ظهور القمر العملاق ببزوغ بدر العشاق مفقطا على علماء عمان، ﻷنهم الأقرب إحساسا بوصف صدق مشاعر الحب من هذا الشعب الأبي لسيده الإنسان الحكيم السلطان.

فاللهم لك الحمد كما ينبغى لجلال وجهك ولعظيم سلطانك على كل نعمة تجددها لنا، وعلى كل بلاء ونقمة تزيحها عن طريقنا، وعلى كل جديد وجميل تسديه لنا، وعلى أن حفظت حبيب قلوبنا، وكسوته بقدرتك بلباس الصحة والعافية، وأن متعت أنظارنا برؤيته، فاللهم أدم علينا نعمك يا الله يا علي با كبير.

-----------------------------

توقيع:

"يا أبي عيد سعيد.. ولك العمر المديد

ولك الفرح يغني.. مرسلا أحلى نشيد

من قريب وبعيد.. وعلى كل صعيد

كلنا جاء يهني.. باعث المجد التليد

دمت ذا الرأي السديد.. دمت في عيش رغيد

كل أقوالك نور.. كل أيامك عيد".