ذكريات نوفمبرية

 

زينب الغريبية

 

لم يتغير جو نوفمبر المميز منذ أن كنا أطفالا، حين يبدأ نوفمبر برفع الأعلام على الشوارع، وتجميلها بالإضاءات الملونة بألوان العلم الثلاثة أبيض، أحمر، أخضر، كان جوا مبهجا، فكان والدي -رحمه الله- يأخذنا في جولة في الشوارع نشاهد الزينة، ونحن ننشد الأناشيد الوطنية، تبقى الذكرى المرتبطة بالطفولة البريئة، وما رافقها من دفء العائلة، وارتباطها بهذا الوطن ومناسباته العظيمة، حاضرة تحركها عودة الماضي سنويا في قوالب مختلفة في الشكل، ولكنها تحمل ذات الروح.

يوم العيد الوطني، عندما كنا نذهب للمدرسة ونحن صغار نستعد بالأوشحة، وشرائط الشعر، ونلبس إكسسوارات بألوان العلم، كانت الفصول تتنافس، فمن سيزين الفصل بأفضل زينة؟ وكانت المدارس تحتفل بجعل يوم العيد يوما مفتوحا، فيه برامج مميزة في الإذاعة، تعقبها مسرحية، كنا ننشد النشيد السلطاني بصوت مرتفع بكل حماس، لاستشعارنا باحتفال يوم مميز، ثم نذهب لتناول ما جلبناه من أكل، حيث كانت كل طالبات فصل يحضرن معهن مختلف الأصناف من المأكولات (التي كنّا نفضّلها في ذاك العمر) لنأكلها سويا في اليوم المفتوح احتفالا بالعيد.

وفي المساء كان والدي- رحمه الله- يأخذنا إلى المكان الذي تطلق فيه (الألعاب النارية)، كنا نستعد لها، حيث نذهب من العصر، ونجلس بالقرب من المكان حتى نجد مكانا قريبا في وقت مبكر، ونعتبر ذلك اليوم رحلة نقضي فيه وقتا ممتعا في اللعب خارجا، وبأزياء بألوان العلم، ونحن في انتظار فرقعة الألعاب النارية، فيبدأ بعدنا الناس بالتوافد إلى المكان، حتى يزدحم، ومن يأتي في وقت متأخر لا يجد مكانا مناسبا ليستمتع بالألعاب النارية.

يمر يوم العيد، وقد قضيناه بالطول والعرض، باحتفالات شتّى، بين المنزل والمدرسة، وما تقدمه البلدية في المدينة، فكل مكان كان يقدم لنا الحدث بلون جميل، يعلمنا ما معنى نوفمبر، وكيف يجب أن نحتفل به، يحفز مشاعر الحب لهذا الوطن وقائده، يبني الولاء وما ينتظر منه كوفاء لاحقا، تربية تكاملت فأثمرت، فما أن يأتي نوفمبر حتى يحيي فينا كل تلك المشاعر، التي لم تخبُ في غيره، ولكنها تتقد في ذكراه بكل ما يحيط بنا من مظاهر محفزة، ليظل يغذي هذا الجانب فينا حتى ونحن كبار..

كبرنا وكبر معنا هذا الحب، الذي ظل يُغذّى طيلة السنوات الماضية، وبدأ يفيض ليُغذّي أبناءنا، تلقائيا دون أن نعي، فهو متدفق خصب، ربما لم نعش في سنوات مضت قبيل حكم قائدنا السلطان (قابوس)، ولكن ما نقل لنا عبر القول الشفهي والمكتوب، كفانا بأن نرسم معاني جميلة لهذا القائد في قلوبنا، ونظل ننظر إليه بأنّه الباني الصانع المنقذ، الذي لا نتخيل أن تكون عُمان بدونه، فهو لم يملك قلوبنا صدفةً؛ بل بفعله الذي نراه واقعا أمامنا.

رائحة نوفمبر العطرة، تحمل معها كل تلك الذكريات الجميلة، التي تعلق في الذاكرة ببساطة الشوارع التي كنا نتجول فيها، وبساطة المباني آنذاك، وكيف أننا نشعر بفرق الشكل الخارجي الآن في تلك الشوارع والمباني، ولكن لمسات النهضة واستمرارها في التطور تشعرنا بتلك الروح الني تحلق حولها مباركة محبة.

فعودي لنا يا أيام نوفمبر، حاملة تلك الأحاسيس، وتلك الروح، عودي لنا عاما بعد عام، واسكنينا في دفء عبورك، لا نريدك أن تنتهي، ولا نريد النهاية لهذا الوطن.