خلفان الطوقي
أطلَّ علينا السلطان قابوس المفدَّى -حفظه الله ورعاه- كعادته بوجهه الباهي، وبشموخه المعتاد، في العرض العسكري الذي أقيم على ميدان الصمود بمنطقة حلبان، وابتهجَ الشعبُ والمقيمون بهذه الطلة الجميلة، وخرجوا عن بكرة أبيهم للاحتفال والتهليل والتكبير، وتناقل الناس التهاني ومقاطع الفيديو التي بها القصائد والألحان الوطنية من خلال وسائل التواصل الاجتماعي، وتمازجت الأفراح بالدموع واﻷدعية للمولى أن يحفظ عُماننا الحبيبة ووالدنا السلطان الكريم من كل شر، ويُنعم عليه بالصحة والعافية والعمر المديد.
احتفال "18 نوفمبر المجيد" هو محطة لكل عُماني وعُمانية ليست للاحتفال فحسب، بل للتفكير والتأمل واﻹلهام والمقارنة بين الماضي والحاضر، وطرح أسئلة مهمة؛ أهمها: كيف تكونت هذا الأمجاد ووصلنا إلى ما وصلنا إليه الآن من تطوُّر وتقدُّم وأمن وأمان، وتعززت قيم التسامح والحكمة والسلام داخليًّا وخارجيًّا؟! فبطبيعة الحال هذا لم يأتِ بمحض الصدفة أو من فراغ، إنما تكوَّن من إرادة سلطانية ونظرة تمتاز ببُعد النظر وجهود مخلصة واصلت الليل بالنهار.
التحدِّي الأصعب يبقى في أن نفكر معا وبقلب واحد وبصوت مرتفع وبحوار شفاف، والتحدي الذي أعنيه هنا يكمُن في كيفية الحفاظ على هذه الأمجاد الوطنية؟ وكيف لنا أن نبني عليها أمجادا أخرى؟ وهل هي مسؤولية جهة بعينها دون الأخرى؟ وهل هناك مسؤولية أكثر وأعظم على إحدى الجهات دون أخرى؟
إن المحافظة على هذا المجد تحتِّم مسؤوليات مستقبلية تشمل كلًّا منا؛ بداية بالمسؤول الحكومي (السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية) الذين تقع على عاتقهم مسؤولية القيام بتخطيط السياسات الحكومية في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والقانونية والتعليمية، واستشراف المستقبل وتقييم الخطط بشكل دوري، وهذه المسؤولية لا يمكن أن تكون حسب المعايير المتواقعة من المواطنين والمقيمين ما لم يكن هؤلاء المخططون على درجة عالية من اﻷمانة والمعرفة والخبرة والمهارات المهنية والحياتية، كما يناط بهؤلاء المخططين أن يجمعوا وينسقوا جميع العناصر والعوامل ليضعوها في بوتقة واحدة، هدفها تهيئة الحياة الكريمة والراقية لكل من يقطن هذه الأرض الطيبة.
وفي الطرف الآخر، على المواطن الغيور أن يتحمَّل مسؤولياته، ويكون أكثر إنتاجا وساعيا لتطوير ذاته ومحيطه، ويطوِّر الخدمات التي يُقدِّمها بشكل مُستمر لكل من يحتاجها؛ سواء كان يعمل في القطاع الخاص أو العام أو يعمل بمفرده أو متقاعدا؛ فلا يُمكن لأي خطط أن تنحج ما لم تجد من يُنفِّذها على أرض الواقع، ولا يُمكن للدول أنْ تُحافظ على أمجادها أو تتقدَّم ما لم يكن شعبُ هذه الدولة أو تلك جزءًا أساسيًّا، وحاضرًا بكل وجدانه في المشهد التنموي، فكلُّ جهد اليوم مُهم من كافة أفراد المجتمع.
ومسؤولية المحافظة على أمجاد عُمان تقع أيضا على القطاع الخاص؛ فبالرغم من الصعوبات والتحديات التي يواجهونها، إلا أنه لا يُمكن إعفاؤهم من المسؤولية؛ فهم مُطالبون باستمرار جهودهم ومشاركاتهم -فرادى وجماعات- حتى ولو كانت بدون دعوة رسمية من الحكومة، ومسؤوليتهم تكمن في تقديم المقترحات والدراسات والمعلومات الحديثة التي تخص تطوير السياسات: خاصة الاقتصادية والاجتماعية؛ فهم قطب الرَّحى لأي تقدُّم في البلد، ولا يمكن أن تكون المعادلة كاملة بدون مشاركاتهم اﻹيجابية والمستمرة مهما كانت التحديات وممارسات الشد والجذب التي هي في اﻷصل طبيعية.
وأخيرا.. للمجتمع المدني من خلال مؤسساته دور حيوي للمحافظة على أمجاد عُمان، وهو أن يكون معينا ومستشارا صادقا للسياسات الحكومية وإعطاء الرأي الواقعي والحيادي لكل القرارات والسياسات الحالية والمستقبلية، فإنْ اجتمعتْ هذه العناصر تمكَّن العمانيون من المحافظة على المكتسبات التاريخية ومجابهة أي تحديات مستقبلية، داعين الله -جلَّ جلاله- أن يحفظ عُمان وأمجادها وسلطانها وأهلها من كلِّ شر، ويُعيننا على بناء أمجادٍ جديدة.. اللهم أمين.