لا جديد

 

 

وليد الخفيف

 

نجحت تجارب دول عدة في تحويل طلاب مدارسها لأبطال أولمبيين بعد إخضاعهم لخطط واقعية معززة ببرامج زمنية دقيقة، ذات أهداف مرحلية واضحة المعالم تخضع للتقويم المستمر. ولضمان نجاحها نفذت تلك الخطط عبر مدربين مؤهلين يحملون سر صناعة الأبطال، ويمتلكون خارطة الطريق المؤدية إلى منصات التتويج بعيدًا عن التنظير والكلام الإنشائي، فجاميكا جزيرة المسافات القصيرة والمتوسطة في أم الألعاب كل أبطالها من المدارس، وكذلك أمريكا صاحبة المقام الرفيع أولمبيا، فالسر وراء تفوقهما على سبيل المثال وليس الحصر يكمن في استغلالهما لمخرجات هذا القطاع العريض الثري بالمواهب والخامات، فالمعادلة المتزنة في طرفيها تفيد أنّ انتقاء جًيدا مرورًا بتدريب علمي سينتج بطلا أولمبيا.

وانطلاقا من قناعة المسؤولين في السلطنة بقيمة هذا القطاع ودوره الفاعل في تحقيق الطموح، سعوا جاهدين لتأسيس اتحاد للرياضة المدرسية حتى أبصر النور، ليكون معنيا بشكل مركز على تطوير مخرجات المدارس؛ ولكن مع انقضاء ما يقارب الشهور العشرة من تأسيسيه لم يأت مجلس إدارته بجديد، فحملت أفكارهم التقليد البعيد عن فحوى الهدف الأصيل الذي أنشئ الاتحاد من أجله، فحادوا عن الطريق المرسوم صوب الكلام الإنشائي؛ مهتمين بالكم دون الكيف، وتزامن ذلك مع خلط واضح بين أهداف الاتحاد ومادة الرياضة المدرسية بشكلها العام، فإذا سألت أحدهم عن الهدف العام حكى لك قصصا وحكايات وروايات بكلام نظري مستهلك يتعلق بتعزيز روح التعاون بين الطلاب؛ والجسم السليم في العقل السليم، وكل ما يتعلق بما هو مدون سلفا على دليل معلم التربية الرياضية وكتاب الطالب، فعفوًا لمن خلط الأوراق.

 

هل انتظرنا تأسيس الاتحاد لننظم دورة للإسعافات الأولية للمعلمين، أو تنظيم مسابقة في كرة القدم؟ فمثل هذه الدورات تنظمها عدة جهات منذ زمن بعيد، والمسابقات تنظمها وزارة التربية منذ تأسيس المدارس، وتتعاون معها في كثير من المناسبات وزارة الشؤون الرياضية، وتسخر لها إمكانياتها المادية واللوجستية، إذن فما الجديد؟ وهل أشهر الاتحاد لخدمة كرة القدم فحسب؟ وإذا اعتبرنا جدلا أنّ القيمة الفنية العائدة تنظيم مسابقة لكرة القدم فهل من المعقول تنظيم المسابقة لطلاب الصف الحادي عشر والثاني عشر، أي من هم أصلا لاعبون في أندية! إذن ما هو مصير مخرجات المسابقة؟

وأين الموهبة الجديدة التي أزيح الستار عنها؟

لقد أعادت لجان الاتحاد المشار إليه العمل السابق لمشرفي الرياضة المدرسية ومعلمي المدارس الحكومية والخاصة، فهدف إنشاء الاتحاد من وجهة نظري يكمن في كلمة وحيدة هي الانتقاء، فالمدرسة مكان لانتقاء المواهب والخامات لشتى ألوان الألعاب والرياضات، فالمدرسة قطاع لتعلم المهارة ونواة إنتاج البطل؛ أمّا صقلها فمهمة مراكز إعداد الناشئين والنادي؛ وأمّا صبغ صاحبها بالصبغة الدولية فمسؤولية الاتحاد الرياضي المعني باللعبة، فذلك هو التطور الطبيعي والمنطقي وفقا لإمكانيات كل قطاع (المدرسة - النادي - الاتحاد)، أمّا الكلام الإنشائي الخاص بتعزيز روح التعاون والانتماء، وحب الرياضة، والعقل السليم في الجسم السليم وكل ما يندرج تحت هذا النحو المستهلك فهي أهداف عامة لمادة الرياضة المدرسية.

من الضروري أن يكون هناك ارتباط وثيق بين موضوع حلقة العمل الرامية لتطوير معلمي الرياضة المدرسية ومحتوى دراستها والهدف العام للاتحاد، بمعنى أنّ دورة الإسعافات الأولية التي استهل اتحاد الرياضة المدرسية جدول أعماله بها دورة تقوم بتنظيمها لجنة الكشافة والمرشدات قبل خمسين عاما، وأجزم بأنّها ليست الأهم للمرحلة، فتنظيم دورة تدريبية عن آلية الانتقاء والاختبارات والمقاييس تعد أولوية تهيئ دارسها للانتقاء الصحيح وفق أسس ومعايير علمية واضحة (فسيولوجية وميدانية) تتفق والهدف العام، فالدارس لهذا الجانب يمكنه اختيار اللعبة المناسبة لكل طالب وفقا لإمكانياته، فقد يكون هناك بطل يحتاج فقط لمن يوجهه لنوع الرياضة المناسبة لإمكانياته، وكم من بطل بدأ حياته بلعبة وحول بوصلته إلى رياضة أخرى بفضل مدربه الدارس الواعي وليس المُنظِّر؛ وفي مقدمتهم الفرنسي هنري الذي بدأ حياته عداءً لسباق 100 ثمّ أصبح أحد نجوم كرة القدم.

إذن فنحن أمام قوّة قوامها ما يقارب النصف مليون طالب في مختلف المراحل العمرية وبكل أنحاء السلطنة وأمام قاعدة عريضة من المعلمين القادرين على الانتقاء بشكل سليم، ولدينا الإمكانيات المادية والبشرية المعززة باهتمام كبير بمخرجات هذا القطاع، ويبقى الأهم: فنحن بحاجة إلى استراتيجية صحيحة وخطة واضحة وبرنامج زمني دقيق يهتم بكل الألعاب بعيدا عن الكلام والتنظير وأن يبقى أمامنا الهدف العام واضحا؛ وهو الانتقاء.

وأخيرًا: هناك فرق بين اللجنة الفنية واللجنة التنفيذية، فهل من الممكن أن يكون قوام اللجنة الفنية يقارب العشرين عضوا!