المعتصم البوسعيدي
لقد جاءَ القرار الوزاري لوزارةِ الشؤون الرياضية رقم (94/2016) بإشهار الاتحاد العُماني للرياضةِ المدرسيةِ، باعثًا للأملِ ومُعززًا للطموحات، وراسمًا لمرحلة جديدة تبدو أجمل مِمَّا عليه الآن. وعلى هذا أُعلن عن أو انطلق فعلاً دوري عمان للمدارس للموسم (2016م/2017م) بمشاركة حوالي 250 مدرسة، مع دعم ورعاية من القطاع الخاص؛ مما يُبشِّر بالنجاح وتحقيق كل الأهداف المرجوة، خاصة تلك المنبثقة من أهداف الاتحاد كما حددها القرار الوزاري.
ومع كل الأماني الجميلة التي تتراقص على رؤى الرياضة المدرسية، قفزَ في مخيلتي فيلم رائع عن قصة واقعية للنجم صامويل جاكسون الصادر في العام 2005م، بعنوان "المدرب كارتر"؛ فيلم درامي كتبت عنه إليزابيث فايتسمان من صحيفة نيويورك ديلي نيوز: "نوعًا ما مضحك، ومؤثر وملهم بشكل كبير"، وهنا أقف كثيرًا عند كلمتي "مؤثر وملهم"؛ لأنني أريد فعلاً أن أنقل هذا التأثير والإلهام لكل من له علاقة بالرياضة المدرسية بشكل عام، ولدوري عمان للمدارس بشكل خاص، لقد وافق كارتر على تدريب فريق كرة السلة بمدرسة "ريتشموند"، فريق متهالك يضم مجموعة من المراهقين الغير منضبطين، إلا أنه ومنذ المصافحة الأولى أظهرَ ما هو عازم على فعله.
"الفوز هنا يعني الفوز في الخارج"، عبارة بدأ بها المدرب كارتر فسلفته التي سيطبقها بحذافيرها دون تهاون ولا تراجع، فألزمَ اللاعبين بتوقيع عقود تتضمن شرط حصولهم على معدل لا يقل عن 2.3 في تحصيلهم الدراسي، هذا المعدل سيضمن لهم الذهاب للكلية وربما حصولهم على منحة في إحدى الجامعات، في حين كان نصيب أبنه معدل 3.7 إذا ما أراد مواصلة اللعب والانضمام للمدرسة، ورغم اعتراض الأهالي والهيئة التدريسية، إلا أنَّ إصراره لم يترك مجالًا دون فرض قراراته.
الاحترام، العقاب، والرقي في التعامل مع الآخر حتى لو كان الآخر يستخدم أساليب غير سوية، كل هذه وغيره كانت قيم ومبادئ المدرب كارتر، علاوة على امتياز تخصصه كمدرب ولاعب كرة سلة سابق وصاحب أرقام قياسية في نفس المدرسة، ثم جاءت المباراة الأولى بثمرة البداية الحقيقية لكسب الثقة، وانطلاقة الفريق "المهزوم" ليكون بطلاً، لكن البطل مع هذا المدرب لا يعني لعب جيد وكسب نقاط وكفى، بل أبعد من ذلك، وقد عنفَ لاعبيه عندما رأى الغرور يتسلل فيهم وهم يستفزون منافسيهم "من سمح لكم بتلويث لعبتي"، حينها اتسقوا مع فلسفته بصورة بهرته كما حدث عندما تشاركوا في تحمل عقاب صديقهم العائد "كروز" والمعاقب بتمرينات لم يستطع الإيفاء بها في الوقت المحدد "ألم تقل نحن فريق واحد، كفاح شخص هو كفاح الجميع، ولاعب ينتصر، الجميع ينتصر".
الأمر لم يكن ليتحقق للمدرب كارتر دون تكاتف اللاعبين، لم يكن ليتحقق دون بعض المعلمين من آمنوا بفلسفته، كذلك بعض الآباء والأمهات، وعندما كان الفريق يشق مجده في الملعب اكتشف المدرب إخفاقَ الفريق في التعليم، لم يواظبوا على حضور دروسهم، ولم يحصل بعضهم على المعدل المطلوب، اعتبرَ الفشل "جماعي" فقرَّر في لحظة حاسمة إغلاق صالة التدريب وعدم لعب المباريات، "قامت الدنيا ولم تقعد"!! كل شيء بات غير مفهوم الآن والمدرب ثابت يقول لهم: "لقد كنت في "ريتشموند" قبل 30 عامًا، بعض زملائي اليوم دخلوا السجن وبعضهم مات"، وشن هجومًا على النظام "نظام مُصمَّم للفشل، لا تبعثوا لهم رسالة خاطئة بأنهم فوق القانون، النظام سيضبط إيقاع حياتهم ويمنحهم خيارات عديدة، إن سلَّمنا بأنَّ الشباب في عمر 14 و15 و16 لا يحترمون أبسط قواعد كرة السلة، فكم من الوقت سيمر -في ظنكم- حتى يكسروا القواعد في الخارج؟!"، ورغم ذلك قرَّرت هيئة التحقيق بالأغلبية كسر السلسلة التي وضعها لإغلاق الصالة؛ فقرر هو الاستقالة.
وسط الإحباط، وجدَ المدرب كارتر لاعبيه وقد حوَّلوا الملعب لقاعة دراسية، أعلنوا تضامنهم معه "تحطيم السلسلة لا يعني إجبارنا على اللعب"، تراجع عن الاستقالة، وتحصلوا هم على المعدل المطلوب، ثم نجحوا في مواصلة الانتصارات في الملعب وخارجه، أرادوا الفوز بدوري الولاية، لكن الدقائق الأخيرة حالت دون تحقيق هذا الهدف، فخسروا أهم مباراة لكنْ ثمة انتصار كبير أعلن عنه المدرب كارتر ذاك "النصر الداخلي" ورسالته الأهم بصناعة "الطالب الرياضي" وليس الرياضي الطالب، وشتان بينهما!! قال لهم: "لقد فشلت" وهو يعني نجاحه "أنا جئت أدرب لاعبي كرة السلة وأنتم أصبحتم طلابا، أتيت لأعلم الأولاد، وأنتم أصبحتم شبابا" خمسة من لاعبيه حصلوا على منح دراسية وستة ذهبوا للكلية، فهل نعي معنى ذلك حقًا؟! رسالة لمن يهمه الأمر.. المدرب "كارتر" يُحيِّيكم!!