طالب المقبالي
عُرف وادي السحتن قديماً باسم مندوس عُمان، فكلما ذكر هذا الاسم في أي مكان وأي زمان فإنّ الذاكرة تعرج بك إلى وادي السحتن ببساتينه الخضراء وينابيع المياه المنسابة من أعلى سفوح الجبال لتشكل لوحة بانورامية بديعة من بديع صنع الخالق.
فقرية عين الخضراء هي بوابة وادي السحتن وهي اسم على مسمى حين تطل عليها، فتلوح لك من بعيد تلك النخيل الباسقات على ضفتي الوادي الذي تغمره المياه المتدفقة من عين الخضراء التي تمتاز مياهها بالسخونة وهي تتسلل من صدع الجبال، كما تتلألأ أشجار الليمون والمانجو وغيرها من الأشجار التي تمتع الزائر بروعتها وتبهج النفس بجمالية المنظر.
فتمضي بك الراحلة لتمر على قرية الحويجر والطويان لتصل إلى قرية فسح الفسيحة المساحة وهي بمثابة متنفس لأهالي الوادي، فهناك تنشط التجارة قديما وحديثا، ثمّ تسير بك الراحلة لتتعمق في قلب وادي السحتن لتصل إلى قرية عمق، والتي تعتبر المركز الإداري للوادي، حيث توجد المدارس والمركز الصحي وفرع البلدية وغيرها من المؤسسات، إضافة إلى المحلات التجارية التي توفر مستلزمات الوادي من السلع والبضائع الضرورية.
ونواصل المسير مرورا بقرية عين عمق، وهناك مفترق طرقات يوصلنا إلى العديد من القرى منها الجو والصوع ويصب والحاجر والمزرع وضبعوت والجفر ومقمة والبشوق والنيد والغور والفراعه ووجمه والمبو والهويب وحيل أولاد بدر ومدروج والهوب وحيل أولاد مديد وصلماء والخميرة والضول وعلاه والودايم، كما أنّ هناك قرى توجد بها مزارع وهي غير مأهولة بالسكان وهي: الميحة والصير والسهي والصفي.
فلكل قرية من هذه القرى قصة مستقلة من الجمال وبديع صنع الخالق، فقرية وجمة في أعلى الجبل تعتبر من أجمل القرى لاعتدال مناخها صيفا وشتاءً وتبهرك بسحرها حين تمطر السماء وتتدفق المياه من أعالي الجبال مشكلة شلالات غاية في الجمال، وتبدأ الينابيع تأخذ طريقها إلى البساتين الجميلة، فيما تبقى قرية الفراعة هي الأجمل على الإطلاق لما تمتاز به من وفرة المياه على مدار العام، كما تمتاز بكثافة الأشجار الخضراء الوارفة الظلال والتي تشكل لوحة جميلة هي الأخرى، وتتصف باعتدال المناخ بعكس بقية القرى في الوادي.
وبالعودة إلى مسمى الوادي بمندوس عُمان، فالتسمية لم تأت اعتباطاً، فقد كان الوادي يمتاز بالزراعة، حيث تنشط الزراعة في هذا الوادي فتزرع الحبوب كالذرة والقمح والحنطة والحمص واللوبياء والثوم والبصل والليمون والسفرجل والأعلاف وغيرها من المنتجات التي تصدر لسوق الرستاق، الذي يعتبر قديما ملتقى التجارة من الرستاق والجبل الأخضر وساحل الباطنة، ليجد المشتري حاجته في هذا السوق كل حسب حاجته، مما كان يشكل اكتفاء ذاتياً من البضائع وخاصة تلك المستوردة من مندوس عُمان، كذلك تشتهر معظم قرى وادي السحتن بتربية النحل، مما أكسب الوادي شهرة في جودة عسل النحل بمختلف أنواعه وألوانه وطعمه وذلك بسبب وجود المراعي الطبيعية خاصة أشجار السدر والسمر، كذلك يهتم الأهالي بتربية المواشي والأغنام التي تنتج اللحوم والألبان والأجبان والسمن المحلي النقي. ونحن نطوف بالذاكرة إلى هذا الوادي الجميل لا بد لنا أن نتطرق إلى أهم الأعمال والصناعات التي كان ومازال يمارسها بعض سكان الوادي كالغزل والنسيج وصناعة السيوف والخناجر وبعض الأدوات الزراعية إضافة إلى صناعة السعفيات والتي وجدت اهتماما خاصاً من خلال مركز النخلة بالرستاق التابع لهيئة الصناعات الحرفية.
وتضم قرى الوادي العديد من الأبراج والحصون التاريخية التي تؤكد عراقة هذا الوادي، ومن باب الذكر لا الحصر من أهم الحصون والأبراج في الوادي حصن السافل وحصن الشريعة بقرية فسح، وحصن عمق وحصن البومة في قرية عمق، وحصن عين عمق، وحصن حبيش في قرية وجمة ورأس الفوت في قرية المبو.
ولعلّ ما يؤكد عراقة هذا الوادي تلك النقوش الأثرية القديمة المكتشفة في الوادي، والتي يعود تاريخها إلى الألف الثالث قبل الميلاد، ومنها ما هو حديث نوعا ما حيث يعود تاريخها إلى الألف الأول قبل الميلاد، وهذه النقوش عبارة عن كتابات ورسوم تجسد الأحداث والبيئة المعاشة في تلك الفترة.
muqbali@hotmail.com